فصل: فصل إنما يندفع الطلاق بالإكراه

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روضة الطالبين وعمدة المفتين **


 كتاب الطلاق

فيه ستة أبواب

 الباب الأول في الطلاق السني والبدعي وغيرهما

لم يزل العلماء قديماً وحديثاً يصفون الطلاق بالبدعة والسنة وفي معناهما اصطلاحان أحدهما السني ما لا يحرم إيقاعه والبدعي ما يحرم وعلى هذا فلا قسم سواهما‏.‏

والثاني وهو المتداول أن السني طلاق مدخول بها ليست بحامل ولا صغيرة ولا آيسة‏.‏

والبدعي طلاق مدخول بها في حيض أو نفاس أو طهر جامعها فيه ولم يبن حملها وعلى هذا يستمر ما اشتهر في المذهب أن غير الممسوسة لا سنة ولا بدعة في طلاقها وكذا من في معناها وعلى هذا الطلاق سني وبدعي وغيرهما‏.‏

ثم ذكر الأصحاب أن ما لا يحرم من الطلاق واجب ومستحب ومكروه‏.‏

فالواجب في حق المؤلي إذا مضت المدة يؤمر أن يفي أو يطلق وعند الشقاق إذا رأى الحكمان التفريق وجب‏.‏

وأما المستحب فهو إذا كان يقصر في حقها لبغض أو غيره أو كانت غير عفيفة‏.‏

وأما المكروه فهو الطلاق عند سلامة الحال‏.‏

وأما المحرم فلتحريمه سببان أحدهما‏:‏ إيقاعه في الحيض إذا كانت ممسوسة تعتد بالأقراء فطلقها بلا عوض‏.‏

فإن خالع الحائض أو طلقها بعوض فليس بحرام‏.‏

ولو سألت الطلاق ورضيت به بلا عوض في الحيض أو اختلعها أجنبي في الحيض فحرام على الأصح‏.‏

ولو طولب المؤلي بالطلاق فطلق في الحيض فقال الإمام والغزالي وغيرهما ليس بحرام لأنها طالبة راضية وكان يمكن أن يقال حرام لأنه أحوجها بالإيذاء إلى الطلب وهو غير ملجأ إلى الطلاق لتمكنه من الفيئة‏.‏

ولو طلق القاضي عليه إذا قلنا به فلا شك أنه ليس بحرام في الحيض‏.‏

ولو رأى الحكمان في صورة الشقاق الطلاق فطلقا في الحيض ففي شرح مختصر الجويني أنه ليس بحرام للحاجة إلى قطع الشر‏.‏

فرع إذا طلق في الحيض طلاقاً محرماً استحب له أن يراجعها فإن راجع فهل له تطليقها في الطهر التالي لتلك الحيضة‏.‏

وجهان أصحهما المنع وبه قطع المتولي لحديث ابن عمر رضي الله عنهما وكأن الوجهين في أنه هل يتأدى به الاستحباب بتمامه‏.‏

فأما أصل الإباحة والاستحباب فينبغي أن يحصل بلا خلاف لاندفاع ضرر تطويل العدة‏.‏

قلت قد صرح الإمام وغيره بأن الوجهين في الاستحباب‏.‏

قال الإمام قال الجمهور يستحب أن لا يطلقها فيه وقال بعضهم لا بأس به‏.‏

وأما قول الغزالي في الوسيط هل يجوز أن يطلق في هذا وهل يستحب أن يجامعها في ذلك الطهر وجهان أحدهما نعم ليظهر مقصود الرجعة‏.‏

وأصحهما الاكتفاء بإمكان الاستمتاع‏.‏

قال الإمام والمراجعة وإن كانت مستحبة فلا نقول تركها مكروه‏.‏

قلت في هذا نظر وينبغي أن يقال تركها مكروه للحديث الصحيح الوارد فيها ولدفع الإيذاء‏.‏

والله أعلم‏.‏

فرع طلقها في الطهر ثم طلقها أخرى في الحيض بني على أن الرجعية تستأنف العدة إذا طلقت أم تبني إن قلنا تستأنف فبدعي وإلا فوجهان لعدم التطويل ولو طلقها في الحيض بدعياً ثم طلقها أخرى في تلك الحيضة أو في أخرى ففي كون الثانية بدعية الوجهان‏.‏

فرع الطلاق في النفاس بدعي كالحيض لأن المعنى المحرم شامل‏.‏

فرع قال أنت طالق مع آخر حيضك أو آخر جزء من أجزاء حيضك فالأصح أنه سني لاستعقابه الشروع في العدة ولو قال أنت طالق مع آخر جزء من الطهر ولم يطأها فالمذهب والمنصوص أنه بدعي‏.‏

ولو قال في الصورتين بدل مع في آخر جزء من كذا فقال الجمهور في كمع على ما تقدم‏.‏

وقال المتولي إن قال في آخر جزء من الحيض فبدعي قطعاً أو في آخر جزء من الطهر فسني قطعاً‏.‏

فرع تعليق الطلاق بالدخول وسائر الصفات ليس ببدعي وإن كان في الحيض ولكن إن وجدت الصفة في الطهر نفذ سنياً وإن وجدت في الحيض نفذ بدعياً فتستحب المراجعة ويمكن أن يقال إن وجدت الصفة باختياره أثم بايقاعه في الحيض وعن القفال أن نفس التعليق بدعة لأنه لا يدري الحال وقت الوقوع فلتحترز عما قد يضرها ولا ضرورة إليه‏.‏

قلت قوله أولاً وإن وجدت في الحيض نفذ بدعياً معناه يسمى بدعياً وترتب عليه أحكام البدعي إلا أنه لا إثم فيه باتفاق الأصحاب في كل الطرق إلا ما حكاه عن القفال وقد أطنب الإمام في تغليط القفال في هذا وقال هذا في حكم الهجوم على ما اتفق عليه الأولون فلم يحرم ولو قال لذات الأقراء أنت طالق إن دخلت الدار أو إن قدم فلان للسنة أو إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق للسنة فإن وجد الشرط وهي في حال السنة طلقت‏.‏

وإن وجد وهي في حال البدعة لم تطلق حتى ينتهي إلى حال السنة فحينئذ تطلق لأن الطلاق معلق بأمرين فاشترط حصولهما وكذا لو قال إن دخلت الدار فأنت طالق للبدعة فإن دخلت في حال البدعة طلقت وإن دخلت في حال السنة لم تطلق حتى ينتهي إلى البدعة‏.‏

ولو قال لمن لا سنة في طلاقها ولا بدعة كغير الممسوسة أنت طالق إن دخلت الدار وإن قدم فلان للسنة فصارت ذات سنة وبدعة ثم وجد الشرط المعلق عليه فإن وجد في حال السنة طلقت وإن وجد في حال البدعة لم تطلق حتى ينتهي إلى حال السنة ولو وجد الشرط قبل أن يتغير حالها طلقت لأنه لا سنة في طلاقها فرع إذا علق طلاقها بما يتعلق باختيارها ففعلته مختارة يحتمل أن يقال هو كما لو طلقها بسؤالها‏.‏

السبب الثاني أن يجامعها في طهر وهي ممن تحبل ولم يظهر حملها فيحرم طلاقها في ذلك الطهر واستدخالها ماءه كالوطء وكذا وطؤها في الدبر على الأصح‏.‏

ولو وطئها في الحيض فطهرت ثم طلقها في ذلك الطهر حرم على الأصح وأما إذا ظهر بها الحمل فلا يحرم طلاقها بحال‏.‏

ولو خالعها أو طلقها على مال في الطهر الذي جامعها فيه قبل ظهور الحبل لم يحرم على الصحيح كمخالعتها في الحيض‏.‏

وقيل يحرم لأن التحريم هنا رعاية لحق الولد فلا يؤثر فيه رضاها وهناك لضررها بطول العدة وتستحب المراجعة هنا كما في السبب الأول‏.‏

ثم إن راجعها ووطئها في بقية الطهر ثم حاضت وطهرت فله أن يطلقها وإن لم يراجعها حتى انقضى ذلك الطهر ثم راجعها أو راجعها ولم يطأها استحب أن لا يطلق في الطهر الثاني لئلا تكون الرجعة للطلاق‏.‏

وحكى الحناطي وجهاً أنه لا تستحب الرجعة هنا ولا يتأكد استحبابها تأكده في طلاق الحائض‏.‏

 فصل الآيسة والصغيرة والتي ظهر حملها وغير الممسوسة لا بدعة في طلاقهن

ولا سنة إذ ليس فيه تطويل ولا ندم بسبب ولد فلو كانت الحامل ترى الدم وقلنا هو حيض فطلقها فيه لم يحرم على الصحيح وقال أبو إسحاق يحرم وقد اشتهر في كلام الأصحاب أن الأربع المذكورات لا بدعة في طلاقهن ولا سنة وذلك للعبارات السابقة في تفسير السني والبدعي‏.‏

وربما أفهم كلامهم أنهم يعنون بذلك أنهن لا يجتمع لهن حالتا سنة وبدعة بل لا يكون طلاقهن إلا سنياً وهذا يستمر على تفسير السني بالجائز والبدعي بالمحرم وقد يغني عن التفاسير الطويلة‏.‏

فرع نكح حاملاً من الزنى ووطئها ثم طلقها قال ابن الحداد وغيره يكون الطلاق بدعياً لأن العدة تكون بعد وضع الحمل وانقضاء النفاس ولو وطئت منكوحة بشبهة فحبلت فطلقها زوجها وهي طاهر فهو حرام لأنها لا تشرع عقبه في العدة وكذا لو لم تحبل فشرعت في عدة الشبهة فطلقها وقدمنا عدة الشبهة وقيل لا يحرم لأنه لم يوجد منه إضرار‏.‏

ورجح المتولي التحريم إذا حبلت وعدمه إذا لم تحبل والأصح التحريم مطلقاً‏.‏

فرع طلقها في طهر لم يجامعها فيه ثم راجعها فله أن يطلقها وحكى القاضي حسين وجهاً ضعيفاً أنه يحرم طلاقها كيلا تكون الرجعة للطلاق وهذا سبب ثالث للطلاق على هذا الوجه فرع لا تنقسم الفسوخ إلى سنة وبدعة لأنها شرعت لدفع مضار نادرة فلا يليق بها تكليف مراقبة قلت ومما يتعلق بهذا لو أعتق أم ولده أو أمته الموطوءة في الحيض لا يكون بدعياً وإن طال زمن الاستبراء لأن مصلحة تنجيز العتق أعظم ذكره إبرهيم المروذي ولو قسم لإحدى زوجتيه ثم طلق الأخرى قبل قسمها أثم وهذا سبب آخر لتحريم الطلاق وسبقت المسألة في كتاب القسم والله أعلم‏.‏

 فصل لا بدعة في جمع الطلقات الثلاث

لكن الأفضل تفريقهن على الأقراء أو الأشهر إن لم تكن ذات أقراء لتتمكن من الرجعة أو التجديد إن ندم فإن أراد أن يزيد في قرء على طلقة فرق على الأيام وقيل التفريق سنة وإن لم يكن الجمع بدعة والصحيح المنع‏.‏

قلت ولو كانت حاملاً وأراد تطليقها ثلاثاً فوجهان حكاهما في البيان أحدهما يطلقها في كل شهر طلقة‏.‏

والثاني وبه قال الشيخ أبو علي يطلقها في الحال طلقة ويراجع فإذا طهرت من النفاس طلقها ثانية ثم إذا طهرت من الحيض طلقها ثالثة والله أعلم‏.‏

الطرف الثاني في إضافة الطلاق إلى السنة والبدعة تنجيزاً أو تعليقاً وفيه مسائل‏.‏

الأولى قال لحائض أو نفساء أنت طالق للبدعة طلقت في الحال وإن قال للسنة لم تطلق حتى تشرع في الطهر ولا يتوقف على الاغتسال ولو وطئها في آخر الحيض واستدام حتى انقطع الحيض لم تطلق لاقتران الطهر بالجماع وكذا لو لم يستدم إذا قلنا بالأصح أنه إذا وطىء في الحيض ثم طلق في الطهر يكون بدعياً‏.‏

الثانية قال لطاهر أنت طالق للسنة فإن لم يكن جامعها في ذلك الطهر طلقت في الحال وإن جامعها فيه لم يقع حتى تحيض ثم تطهر وإن قال لها أنت طالق للبدعة فإن كان جامعها في ذلك الطهر طلقت في الحال وإلا فعند الحيض قال المتولي ويحكم بوقوع الطلاق بظهور أول الدم فإن انقطع لدون يوم وليلة بان أنها لم تطلق ويشبه أن يجيء فيه الخلاف المذكور فيما إذا قال إن حضت فأنت طالق أنها هل تطلق برؤية الدم أم بمضي يوم وليلة ولو جامعها قبل الحيض فبتغييب الحشفة تطلق فعليه النزع فإن نزع وعاد فهو كابتداء الوطء بعد الطلاق وإن استدام فإن كان الطلاق رجعياً فلا حد وإن كان ثلاثاً فلا حد أيضاً لأن أوله مباح وقيل إن كان عالماً بالتحريم حد وهل يجب المهر حكمه حكم من قال إن وطئتك فأنت طالق فغيب الحشفة ثم استدام وقد ذكرنا هذه الصورة في كتاب الصوم وبينا أن المذهب فيها أنه لا مهر لأن النكاح تناول جميع الوطآت وادعى صاحب العدة أن المذهب هنا الوجوب‏.‏

اللام في قوله أنت طالق للسنة أو للبدعة تحمل على التوقيت فلا تطلق إلا في حال السنة أو البدعة لأنهما حالتان منتظرتان تتعاقبان تعاقب الأيام والليالي وتتكرران تكرر الشهور فأشبه قوله أنت طالق لرمضان معناه إذا جاء رمضان أنت طالق وأما اللام الداخلة على ما لا يتكرر مجيئه وذهابه فللتعليل كقوله أنت طالق لفلان أو لرضى فلان فتطلق في الحال رضي أم سخط والمعنى فعلت هذا لترضى وقال ابن خيران إنما يقع في الحال إذا نوى التعليل فإن لم تكن له نية لم تطلق حتى يرضى والأول هو الصحيح المنصوص ونزل ذلك منزلة قول السيد أنت حر لوجه الله تعالى وحيث يحمل على التعليل فلو قال أردت التوقيت قبل باطناً ولا يقبل ظاهراً على الأصح‏.‏

ولو قال أنت طالق بقدوم زيد أو برضاه فهو تعليق كقوله إن قدم أو رضي وحيث حملنا قوله للسنة أو للبدعة على الحالة المنتظرة فقال أردت الإيقاع في الحال قبل لأنه غير متهم‏.‏

فرع قوله أنت طالق لا للسنة كقوله للبدعة وقوله لا للبدعة كقوله للسنة وقوله سنة الطلاق أو طلقة سنية كقوله للسنة وقوله بدعة الطلاق أو طلقة بدعية كقوله للبدعة‏.‏

قال إن كان يقع عليك في هذا الوقت طلاق السنة فأنت طالق فإن كانت في حال السنة طلقت وإلا فلا تطلق لا في الحال ولا إذا صارت في حال السنة لعدم الشرط وكذا لو قال أنت طالق للسنة إن قدم فلان وأنت طاهر فإن قدم وهي طاهر طلقت للسنة وإلا فلا تطلق لا في الحال ولا إذا طهرت‏.‏

فرع جميع ما ذكرنا إن كانت المخاطبة بالسنة والبدعة ذات سنة وبدعة فأما إذا قال لصغيرة ممسوسة أو لصغيرة أو كبيرة غير ممسوسة أنت طالق للسنة فيقع في الحال واللام هنا للتعليل لعدم تعاقب الحال كقوله لرضى زيد ولو قال للبدعة وقع في الحال على الصحيح لما ذكرنا وحكى الشيخ أبو علي وجهاً أنه يحمل على التوقيت وينتظر زمن البدعة بأن تحيض الصغيرة ويدخل بالكبيرة أو تحيض وعن ابن الوكيل أن الطلاق لا يقع مطلقاً لتعليقه بما لا يتصور كقوله إن صعدت السماء وهذا يطرد في قوله للسنة‏.‏

ولو صرح بالوقت فقال أنت طالق لوقت السنة أو لوقت البدعة قال في البسيط إن لم ينو شيئاً فالظاهر وقوع الطلاق في الحال وإن قال أردت التوقيت بمنتظر فيحتمل أن يقبل لتصريحه بالوقت فرع قال أنت طالق لا للسنة ولا للبدعة وقع في الحال سواء كانت ذات سنة وبدعة أم لا لأنها إن لم تكن فحالها ما ذكر وإن كانت فالوصفان متنافيان فسقطا وكذا لو قال طلقة سنية بدعية‏.‏

فرع قال لذات سنة وبدعة في حال البدعة أنت طالق طلاقاً سنياً أو في حال السنة أنت طالق طلاقاً بدعياً ونوى الوقوع في الحال قال المتولي لا يقع في الحال لأن النية إنما تعمل فيما يحتمله اللفظ لا فيما يخالف صريحاً وإذا تنافيا لغت النية وعمل باللفظ لأنه أقوى‏.‏

ولو قال أنت طالق الآن سنياً وهو في زمن بدعة طلقت في الحال عملا بالإشارة إلى الوقت ويلغو اللفظ‏.‏

المسألة الثالثة قال لذات الأقراء أنت طالق ثلاثاً بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة فإن لم ينو شيئاً فالصحيح المنصوص أنه يقع في الحال طلقتان فإذا صارت في الحالة الأخرى وقعت الثالثة لأن التبعيض يقتضي التشطير ثم يسري كما لو قال هذه الدار بعضها لزيد وبعضها لعمرو يحمل على التشطير إذا لم تكن بينة وقيل تقع في الحال طلقة واختاره المزني ومن قال به لا يكاد يسلم مسألة الإقرار ويقول هو مجمل يرجع إليه فيه ونقل الحناطي وجهاً ثالثاً أنه يقع في الحال الثلاث أما إذا قال أردت إيقاع بعض من كل طلقة في الحال فتقع الثلاث في الحال وإن قال أردت في الحال طلقتين أو طلقة ونصفاً وقع طلقتان في الحال قطعاً وتقع الثالثة في الحالة الأخرى وإن قال أردت في الحال طلقة وفي المستقبل طلقتين دين فيه قطعاً وتقبل أيضاً في الظاهر على الصحيح المنصوص وقال ابن أبي هريرة لا تقبل‏.‏

وفائدة هذا الخلاف أنه لو ندم فأراد أن يخالعها حتى تصير إلى الحالة الأخرى وهي بائن فتنحل اليمين ثم يتزوجها وقلنا الخلع طلاق فإن قلنا الواقع في الحال طلقة أمكنه ذلك وإلا فلا ولو قال أنت طالق ثلاثاً بعضهن للسنة واقتصر عليه وكانت في حال السنة قال ابن الصباغ تجيء على الصحيح المنصوص أنه لا يقع في الحال إلا طلقة لأن البعض ليس عبارة عن النصف وإنما حملناه في الصورة الأولى على التشطير لإضافته البعضين في الحالين ولو قال أنت طالق خمساً بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة ولم ينو شيئاً بنى على الخلاف المعروف في أن الزيادة الملفوظ بها تلغى أم تعتبر إن قلنا بالأول وقع في الحال طلقتان وفي الثاني طلقة تفريعاً على المنصوص وإن قلنا بالثاني وهو الأصح وقع الثلاث في الحال بالتشطير والتكميل ولو قال أنت طالق طلقتين طلقة للسنة وطلقة للبدعة أو أنت طالق طلقة للسنة وطلقة للبدعة وقع في الحال طلقة وفي الاستقبال الأخرى ولو قال طلقتين للسنة والبدعة فهل يقع في الحال طلقة وفي الاستقبال الأخرى أم يقعان في الحال فرع قال لمن لا سنة لها ولا بدعة أنت طالق ثلاثاً بعضهن للبدعة أو طلقة للسنة وطلقة للبدعة وقع الجميع في الحال‏.‏

المسألة الرابعة إذا وصف الطلاق بصفة مدح كقوله أنت طالق أجمل الطلاق أو أفضله أو أحسنه أو أعدله أو أكمله أو أتمه أو أجوده أو خير الطلاق وأنت طالق للطاعة ولم ينو شيئاً فهو كقوله طالق للسنة فلا يقع إن كان الحال بدعة حتى ينتهي إلى حال السنة وإن نوى شيئاً نظر إن نوى ما يقتضيه الإطلاق فذاك وإن قال أردت طلاق البدعة لأنه في حقها أحسن من جهة سوء خلقها فإن كانت في حال بدعة قبل لأنه غلظ على نفسه وإن كانت في حال سنة دين ولا يقبل ظاهراً وقد يجيء خلاف في الظاهر‏.‏

وإن وصف الطلاق بصفة ذم كقوله أقبح الطلاق أو أسمجه أو أفضحه أو أفظعه أو أردأه أو أفحشه أو أنتنه أو شر الطلاق ونحو ذلك فهو كقوله للبدعة فلا يقع إن كانت في حال سنة حتى ينتهي إلى البدعة وإن قال أردت قبحه لحسن عشرتها أو أردت أن أقبح أحوالها أن تبين مني وقع في الحال لأنه غلظ على نفسه وإن قال أردت أن طلاق مثل هذه السنة أقبح فقصدت الطلاق في حال السنة دين ولم يقبل ظاهراً ولو قال أنت طالق للجرح أو طلاق الجرح فهو كقوله للبدعة ولو خاطب بهذه الألفاظ من لا سنة لها ولا بدعة فهو كما لو قال لها للسنة أو للبدعة كما سبق ولو جمع صفتي الذم والمدح فقال أنت طالق طلقة حسنة قبيحة أو جميلة فاحشة أو سنية بدعية أو للجرح والعدل والمخاطبة ذات أقراء وقعت في الحال قال السرخسي في الأمالي فإن فسر كل صفة بمعنى فقال أردت كونها حسنة من حيث الوقت وقبيحة من حيث العدد حتى تقع الثلاث أو بالعكس قبل منه وإن تأخر الوقوع لأن ضرر وقوع العدد أكثر من فائدة تأخير الوقوع‏.‏

المسألة الخامسة قال أنت طالق ثلاثاً في كل قرء طلقة أو أنت طالق في كل قرء طلقة فلها ثلاثة أحوال‏.‏

أحدها أن تكون حائلاً من ذوات الأقراء وهي إما غير ممسوسة وإما ممسوسة فإن كانت غير ممسوسة نظر إن كانت حائضاً لم تطلق على الصحيح وقال الشيخ أو حامد تقع طلقة في الحال لأنها مخاطبة بالعدة ومحيضها كطهرها وإن كانت طاهراً طلقت في الحال واحدة وبانت فلا تلحقها الثانية والثالثة فإن جدد نكاحها قبل الطهر الثاني ففي وقوع الثانية والثالثة قولاً عود اليمين والحنث وإن جدد النكاح بعد الطهرين لم يقع شيء لانحلال اليمين وإن كانت ممسوسة وقع في كل قرء طلقة سواء جامعها فيه أم لا وتكون الطلقة سنية إن لم يجامعها فيه وبدعية إن جامعها وتشرع في العدة بالطلقة الأولى‏.‏

وهل يجب استئناف العدة للثانية والثالثة قولان مذكوران في العدة أظهرهما الوجوب‏.‏

الحال الثاني أن تكون حاملاً فإن كانت لا ترى الدم وقعت في الحال طلقة قال المتولي فلو لم تحض قط وبلغت بالحمل مثلاً ففي وقوع الطلاق عليها وجهان أو قولان بناء على أن القرء هو الطهر بين دمين أو الانتقال من نقاء إلى دم إن قلنا بالأول لم تطلق حتى تضع وتطهر من نفاسها وإن قلنا بالثاني وهو الأظهر وقع وإذا وقعت الطلقة فإن راجعها قبل الوضع وقعت أخرى إذا طهرت من النفاس وعليها استئناف العدة سواء وطئها بعد الرجعة أم لا بلا خلاف وإن لم يراجعها انقضت عدتها بالوضع بأن جدد نكاحها قبل تمام الأقراء عاد قولاً عود الحنث وإن كانت ترى الدم على الحمل فإن قلنا إنه ليس بحيض فهو كما لو لم تره فتطلق في الحال وحكى الحناطي وجهاً أنها لا تطلق إن وافق قوله وقت الدم حتى تطهر وإن جعلناه حيضاً ووافق قوله النقاء طلقت في الحال طلقة وإن وافق الدم فوجهان أحدهما وهو قول الشيخ أبي حامد وصححه العراقيون تطلق أيضاً لأن مدة الحمل كالقرء الواحد‏.‏

والثاني وهو الأصح وبه قطع القاضي أبو الطيب والحناطي ورجحه المتولي وغيره لا تطلق حتى تطهر وإذا وقعت طلقة في الحيض أو الطهر فهل يتكرر في الطهر الثاني والثالث وجهان أصحهما لا قطع به بعضهم لأن الحال الثالث أن تكون صغيرة فيبنى على القرء طهر يحتوشه دمان أم هو الانتقال من نقاء إلى حيض إن قلنا بالأول لم تطلق حتى تحيض وتطهر ولا يؤمر الزوج باجتنابها في الحال وإن قلنا بالثاني فالذي أطلقه العراقيون والبغوي وغيرهم أنه يقع في الحال طلقة وقال المتولي والسرخسي يؤمر باجتنابها لأن الظاهر أنها ترى الدم فإن رأته تبيناً وقوع الطلاق يوم اللفظ وإن ماتت قبل رؤية الدم ماتت على النكاح فعلى الأول لو لم تحض ولم يراجعها حتى مضت ثلاثة أشهر حصلت البينونة فإن نكحها بعد ذلك ورأت الدم عاد الخلاف في عود الحنث وإن رأت الدم قبل مضي ثلاثة أشهر تكرر الطلاق بتكرر الأطهار‏.‏

وعن صاحب التقريب وجه غريب أن الأقراء في الصغيرة تحمل على الأشهر والآيسة التي انقطع حيضها كالصغيرة ففي وقوع الطلاق عليها الخلاف قال السرخسي إن قلنا القرء هو الانتقال وقع في الحال وإلا فلا فإن حاضت بعد تبينا الوقوع والأصح عند الأصحاب الوقوع في الصغيرة والآيسة‏.‏

فرع قال أنت طالق في كل قرء طلقة للسنة فهو كما لو لم يقل للسنة في أكثر الأحكام والأحوال لكن ذات الأقراء إذا كانت طاهراً أو كان جامعها في ذلك الطهر يتأخر وقوع الطلاق إلى أن تحيض ثم فرع قال أنت طالق في كل طهر طلقة وكانت حاملاً لا ترى دماً أو تراه ولم نجعله حيضاً وقع في الحال طلقة سواء ترى الذي في ذلك الحال أم لا ولا يتكرر بتكرر الانقطاعات وإن كانت ترى الدم وجعلناه حيضاً فإن كانت في حال رؤية الدم لم تطلق حتى تطهر وإلا وقع في الحال وتكرر بتكرر الأطهار‏.‏

المسألة السادسة قال أنت طالق ثلاثاً للسنة ثم قال نويت تفريقها على الأقراء لم يقبل في الظاهر قال المتولي إلا أن يكون ممن يعتقد بتحريم جمع الثلاث في قرء فيقبل في الظاهر وحكى الحناطي وجهاً في القبول مطلقاً والصحيح المنصوص وهو الأول ولو قال أنت طالق ثلاثاً ولم يقل للسنة ثم فسر بالتفريق على الأقراء لم يقبل ظاهراً وهل يدين في الصورتين وجهان الصحيح المنصوص نعم ومعنى التديين مع نفي القبول ظاهراً أن يقال للمرأة أنت بائن منه بثلاث في ظاهر الحكم وليس له تمكينه إلا إذا غلب على ظنك صدقة بقرينة ويقال للزوج لا نمكنك من تتبعها ولك أن تتبعها والطلب فيما بينك وبين الله تعالى إن كنت صادقاً وتحل لك إذا راجعتها وعلى هذا القياس حكم بالقبول ظاهراً وباطناً فيما إذا قال لصغيرة أنت طالق للسنة ثم قال أردت إذا حاضت وطهرت وفيما إذا قال أنت طالق ثم قال أردت أن دخلت الدار أو إذا جاء رأس الشهر وألحق القفال والغزالي بهذه الصورة ما إذا قال أنت طالق ثم قال أردت إن شاء الله تعالى‏.‏

قال وكذلك كلما أحوج إلى تقييد الملفوظ به بقيد زائد والصحيح الموجود في كتب الأصحاب أنه لا يدين في قوله أردت إن شاء الله تعالى ويدين في قوله أردت عن وثاق أو إن دخلت الدار أو إن شاء زيد‏.‏

وفرقوا بين قوله أردت إن شاء الله تعالى وبين سائر الصور بأن التعليق بمشيئة الله تعالى يرفع حكم الطلاقة جملة فلا بد فيه من اللفظ والتعليق بالدخول ومشيئة زيد لا يرفعه لكن يخصصه بحال دون حال وقوله من وثاق تأويل وصرف للفظ من معنى إلى معنى فكيف فيه النية وإن كانت ضعيفة وشبهوه بالنسخ لما كان رفعاً للحكم لم يجز إلا باللفظ والتخصيص يجوز بالقياس

وأما إذا أتى بلفظ عام وقال أردت بعض الأفراد الداخلة تحته ففيه تفصيل فإن قلنا كل امرأة لي فهي طالق وعزل بعضهن بالنية لم يقبل ظاهراً عند الأكثرين وقال ابن الوكيل وغيره يقبل ظاهراً سواء كانت قرينة تصدقه بأن خاصمته وقالت تزوجت علي فقال كل امرأة لي طالق ثم قال أردت غير المخاصمة أم لم تكن قرينة والأصح عند القفال والمعتبرين أنه لا يقبل ظاهراً بغير قرينة ويقبل بها واختاره الروياني وعن القاضي حسين أنه إن قال كل امرأة لي طالق ثم عزل بعضهن بالنية لا يقبل وإن قال نسائي طوالق وقال عزلت واحدة قبل وعلى هذا لو عزل اثنتين ففي القبول وجهان ويجري الخلاف في القبول ظاهراً فيما لو قال إن أكلت خبزاً أو تمراً فأنت طالق ثم فسر بنوع خاص وطردهما الغزالي وغيره فيما إذا كان يحل وثاقاً عنها فقال أنت طالق ثم قال أردت الإطلاق عن الوثاق وقال الأصح بالقبول‏.‏

ولو قال إن كلمت زيداً فأنت طالق ثم قال أردت التكليم شهراً فيقبل كذا حكي عن نص الشافعي رحمه الله والمراد على ما نقل الغزالي القبول باطناً فلا تطلق إذا كلم بعد شهر‏.‏

فرع في ضبط ما يدين فيه وما يقبل ظاهراً قال القاضي حسين لما يدعيه الشخص من النية مع ما أطلقه من اللفظ أربع مراتب‏.‏

إحداها أن يرفع ما صرح به بأن قال أنت طالق ثم قال أردت طلاقاً لا يقع عليك أو لم أرد إيقاع الطلاق فلا تؤثر دعواه ظاهراً ولا يدين باطناً الثانية أن يكون ما يدعيه مقيداً لما تلفظ به مطلقاً بأن قال أنت طالق ثم قال أردت عند دخول الدار فلا يقبل ظاهراً وفي التديين الخلاف‏.‏

الرابعة أن يكون اللفظ محتملاً للطلاق من غير شيوع وظهور وفي هذه المرتبة تقع الكنايات ويعمل فيها بالنية‏.‏

وضبط الأصحاب بضبط آخر فقالوا ينظر في التفسير بخلاف ظاهر اللفظ إن كان لو وصل باللفظ لا ينظم لم يقبل ولم يدين وإلا فلا يقبل ظاهراً ويدين‏.‏

مثال الأول قال أردت طلاقاً لا يقع‏.‏

مثال الثاني أردت طلاقاً عن وثاق أو إن دخلت الدار واستثنوا من هذا نية التعليق بمشيئة الله تعالى فقالوا لا يدين فيه على المذهب‏.‏

فرع قال أنت طالق ثلاثاً ثم قال أردت إلا واحدة أو قال أربعكن طوالق ثم قال نويت بقلبي إلا فلانة لم يدين على الأصح لأنه نص في العدد ولو قال فلانة وفلانة وفلانة طوالق ثم قال استثنيت بقلبي فلانة لم يدين قطعاً لأنه رفع لما نص عليه لا تخصيص عموم ذكره القاضي أبو الطيب‏.‏

المسألة السابعة قال لممسوسة كلما ولدت فأنت طالق للسنة فولدت ولداً وبقي آخر في بطنها وقع بولادة الأول طلقة لأن الأصل في هذا أن الموصوف بالسنة والبدعة إذا علق بأمر اعتبرت الصفة عند ذلك الأمر فإن وجدت وقع وإلا فلا حتى يوجد كما سبق في قوله أنت طالق للسنة إذا قدم زيد أنه إن قدم في حال سنة طلقت وإلا فلا تطلق حتى يجيء قال السنة وكأنه يخاطبها عند وجود المعلق عليه بقوله أنت طالق للسنة وإذا كان كذلك فكأنه عند ولادة أحد الولدين قال أنت طالق للسنة وهي في هذه الحال حامل بآخر ولو قال لحامل أنت طالق للسنة وقع في الحال ثم إذا ولدت الثاني انقضت عدتها وهل يقع طلقة أخرى لأنه يقارن انقضاء العدة فيه خلاف يأتي في نظائره إن شاء الله تعالى الأصح المنع ولو ولدت ولداً ولم يكن في بطنها آخر فإنما تطلق إذا طهرت من النفاس ولو ولدت ولدين معاً ولم يكن في بطنها آخر فإنما تطلق إذا طهرت من النفاس طلقتين لأنها ولدت ولدين و كلما تقتضي التكرار ولو قال كلما ولدت ولدين فأنت طالق فولدت ولدين معاً أو متعاقبين وفي بطنها ثالث طلقت ولو ولدت ولداً فطلقها ثم ولدت آخر فإن كان رجعياً وقعت أخرى بولادة الثاني راجعها أم لا هكذا ذكروه ويشبه أن يقال إن راجعها فكذلك الحكم وإلا فهذا طلاق يقارن انقضاء العدة وإن كان الطلاق بائناً فنكحها ثم ولدت آخر ففي وقوع أخرى قولاً عود الحنث‏.‏

المسألة الثامنة نجح كاملاً من الزنى وقال أنت طالق للسنة فإن كان دخل بها لم تطلق حتى تصنع وتطهر من النفاس لأن الحمل كالعدم وإلا طلقت في الحال كما لو قال لغير المدخول بها أنت طالق للسنة هذا إذا كانت لا ترى دماً أو تراه ولم نجعله حيضاً فإن رأته وجعلناه حيضاً فإن قال لها ذلك في حال رؤية الدم لم تطلق حتى تطهر كالحامل إذا قال لها أنت طالق للسنة وهي حائض بخلاف الحامل من الزوج حيث يقع طلاقها في الحال وإن كانت ترى الدم وجعلناه أيضاً حيضاً على الصحيح لأن الحامل من الزوج لا سنة ولا بدعة في طلاقها وهذه كالحامل إذ لا حرمة لحملها‏.‏

المسألة التاسعة قال أنت طالق للسنة أو للبدعة لا تطلق حتى تنتقل من الحالة التي هي فيها إلى الحالة الأخرى لأن اليقين حينئذ يحصل كما لو قال أنت طالق اليوم أو غداً لا تطلق حتى يجيء الغد‏.‏

المسألة العاشرة قال أنت طالق طلقة حسنة في دخول الدار أو طلقة سنية قال إسماعيل البوشنجي مقتضى المذهب أن تطلق إن دخلت الدار طلقة سنية حتى لو كانت حائضاً لم تطلق ما لم تطهر ولو كانت طاهراً لم يجامعها في ذلك الطهر طلقت في الحال وإن كان جامعها فيه لم تطلق حتى تحيض وتطهر‏.‏

المسألة الحادية عشرة قال لها وهي طاهر أنت طالق للسنة ثم اختلفا فقال جامعتك في هذا الطهر فلم يقع طلاق في الحال وقالت لم تجامعني وقد وقع قال إسماعيل البوشنجي مقتضى المذهب أن القول قوله لأن الأصل بقاء النكاح وكما لو قال المؤلي والعنين وطئت‏.‏

قال أنت طالق كالثلج أو كالنار طلقت في الحال ولغا التشبيه وقال أبو حنيفة إن قصد التشبيه بالثلج في البياض والنار بالإضاءة طلقت سنياً وإن قصد التشبيه بالثلج في البرودة وبالنار في الحراًرة والإحراًق طلقت في زمن البدعة وبالله التوفيق‏.‏

 الباب الثاني في أركان الطلاق

هي خمسة الأول المطلق وشرطه التكليف فلا يقع طلاق صبي ولا مجنون لا تنجيزاً ولا تعليقاً فلو قال مراهق إذا بلغت فأنت طالق فبلغ أو قال مجنون إذا أفقت فأنت طالق ثم أفاق أو قالا أنت طالق غداً فبلغ وأفاق قبل الغد فلا طلاق‏.‏

قلت هكذا اقتصر الغزالي وغيره في شرط المطلق على كونه مكلفاً وقد يورد عليه السكران فإنه يقع طلاقه على المذهب وليس مكلفاً كما قاله أصحابنا وغيرهم في كتب الأصول ولكن مراد أهل الأصول إنه غير مخاطب حال السكر ومرادنا هنا أنه مكلف بقضاء العبادات بأمر جديد والله أعلم‏.‏

الركن الثاني اللفظ وفيه ثلاثة أطراف أحدها في اللفظ الذي يقع به الطلاق والثاني في الأفعال القائمة مقامه والثالث في تفويض الطلاق إلى الزوجة وأحكام تفويضه أما الأول فاللفظ صريح وهو ما لا يتوقف وقوع الطلاق به على نية وكناية وهو ما توقف على نية أما الصريح فلفظ الطلاق والسراح والفراق وحكى أبو الحسن العبادي أن أبا عبد الرحمن القزاز نقل قولاً قديماً أن السراح والفراق كنايتان والمشهور الأول فقوله أنت طالق أو مطلقة أو يا طالق أو يا مطلقة صريح وقيل يا مطلقة وأنت مطلقة كناية والصحيح الأول وأما المشتق من الاطلاق كقوله أنت مطلقة بإسكان الطاء أو يا مطلقة فليس بصريح على الصحيح لعدم اشتهاره وإن الاطلاق كان والتطليق متقاربين‏.‏

وفي قوله أنت طلاق أو الطلاق أو طلقة وجهان أصحهما أنه كناية‏.‏

ولو قال أنت نصف طلقة فكناية قال البغوي ولو قال أنت كل طلقة أو نصف طالق فصريح كقوله نصفك طالق‏.‏

ونقل العبادي خلافاً في قوله أنت نصف طلقة ويجوز أن يجيء هذا الخلاف في قوله نصف طالق ولو قال أنت والطلاق أو أنت وطلقة فكناية أي قرنت بينك وبينها‏.‏

وإذا قلنا بالمشهور في لفظي السراح والفراق فقوله فارقتك وسرحتك صريحان وفي الاسم منهما وهو مفارقة‏.‏

ومسرحة وجهان سواء الوصف كقوله أنت مسرحة أو مفارقة والنداء كقوله يا مسرحة أو يا مفارقة أصحهما صريحان أيضاً وقوله أنت السراح أو أنت الفراق على الوجهين في أنت الطلاق‏.‏

قال أردت بقولي طالق إطلاقها من الوثاق وبالفراق المفارقة في المنزل وبالسراح إلى منزل أهلها أو قال أردت خطاب غيرها فسبق لساني إليها دين ولم يقبل ظاهراً فلو صرح فقال أنت طالق من وثاق أو سرحتك إلى موضع كذا أو فارقتك في المنزل خرج عن كونه صريحاً وصار كناية قال المتولي وهذا في ظاهر الحكم وأما بينه وبين الله تعالى فإنما لا يقع الطلاق إذا كان على عزم أن يأتي بهذه الزيادة من أول كلامه فأما إذا قال أنت طالق ثم بدا له فوصل به هذه الزيادة فالطلاق واقع في الباطن ولو لم يكن عازماً على هذه الزيادة أولاً ثم نواها في أثناء الكلام فوجهان سيأتي نظيرهما إن شاء الله تعالى في الاستثناء وغيره وكذلك التديين إذا لم يتلفظ بالزيادة وقال نويتها إنما يدين إذا كان ناوياً من أول الكلام فإن حدثت بعد الفراغ من الكلام فلا وإن حدثت في أثنائه فعلى الوجهين‏.‏

فرع قوله أوقعت عليك طلاقي صريح ذكره الروياني ولو قال لك طلقة أو وضعت عليك طلقة فوجهان‏.‏

فرع ذكر الأصحاب أن صرائح الطلاق ثلاثة الطلاق والسراح والفراق وأهملوا ذكر شيئين هنا أحدهما لفظ الخلع وفي كونه صريحاً في الطلاق خلاف سبق والثاني قوله الحلال علي حرام وفي كونه صريحاً خلاف نذكره إن شاء الله تعالى قريباً‏.‏

فرع ترجمة لفظ الطلاق بالعجمية وسائر اللغات صريح على المذهب لشهرة استعمالها في معناها عند أهل تلك اللغات كشهرة العربية عند أهلها وقيل وجهان ثانيهما أنها كناية وترجمة السراح والفراق فيها الخلاف لكن الأصح هنا أنها كناية قاله الإمام والروياني لأن ترجمتهما بعيدة عن الاستعمال‏.‏

فرع إذا اشتهر في الطلاق لفظ سوى الألفاظ الثلاثة الصريحة كحلال الله علي حرام أو أنت علي حرام أو الحلال أو الحل علي حرام ففي التحاقه بالصريح أوجه أصحها نعم لحصول التفاهم وغلبة الاستعمال وبهذا قطع البغوي وعليه تنطبق فتاوى القفال والقاضي حسين والمتأخرين والثاني لا ورجحه المتولي والثالث حكاه الإمام عن القفال أنه إن نوى شيئاً آخر من طعام أو غيره فلا طلاق‏.‏

وإذا ادعاه صدق وإن لم ينو شيئاً فإن كان فقيهاً يعلم أن الكناية لا تعمل إلا بالنية لم يقع وإن كان عامياً سألناه عما يفهم إذا سمعه من غيره فإن قال يسبق إلى فهمي منه الطلاق حمل على ما يفهم والذي حكاه المتولي عن القفال أنه إن نوى غير الزوجة فذاك وإلا فيقع الطلاق للعرف

قلت الأرحج الذي قطع به العراقيون والمتقدمون أنه كناية مطلقاً والله أعلم‏.‏

وأما البلاد التي لا يشتهر فيها هذا اللفظ للطلاق فهو كناية في حق أهلها بلا خلاف وفي فتاوى القاضي حسين أنه لو كان له امرأتان فقال حلال الله علي حراًم إن دخلت الدار فدخل تطلق كل واحدة منهما طلقة ويوافقه ما ذكره البغوي في الفتاوى أنه لو قال حلال الله علي حرام وله أربع نسوة طلقن كلهن إلا أن يريد بعضهن لكن ذكر بعده أنه لو قال إن فعلت كذا فحلال الله علي حرام وله امرأتان ففعل طلقت إحداهما لأنه اليقين ويؤمر بالتعيين قال ويحتمل غيره فحصل تردد‏.‏

قلت الظاهر المختار الجاري على القواعد أنه إذا لم ينوهما لا تطلق إلا إحداهما أو إحداهن لأن الاسم يصدق عليه فلا يلزمه زيادة وقد صرح بهذا جماعة من المتأخرين وهذا إذا نوى بحلال الله علي حرام الطلاق وجعلناه صريحاً فيه والله أعلم‏.‏

وأما الكناية فيقع بها الطلاق مع النية بالإجماع ولا يقع بلا نية وهي كثيرة كقوله أنت خلية وبرية وبتة وبتلة وبائن وحرام وحرة وأنت واحدة واعتدي واستبرئي رحمك والحقي بأهلك وحبلك على غاربك ولا أنده سربك أي لا أزجر إبلك ومعناه لا أهتم بشأنك واغربي واعزبي واخرجي واذهبي وسافري وتجنبي وتجردي وتقنعي وتستري والزمي الطريق وبيني وأبعدي وودعيني ودعيني وبرئت منك ولا حاجة لي فيك وأنت وشأنك وأنت مطلقة ومنطلقة وتجرعي وذوقي وتزودي وما أشبه ذلك‏.‏

وفي قوله اشربي وجهان الأصح المنصوص كناية وقال أبو إسحاق ليس كناية بل هو لغو وكلي كاشربي كناية على المذهب وقيل ليس كناية قطعاً وفي قوله أغناك الله وقوله قومي وجهان أصحهما ليس كناية‏.‏

أما الألفاظ التي لا تحتمل الطلاق إلا على تقدير متعسف فلا أثر لها فلا يقع بها طلاق وإن نوى وذلك كقوله بارك الله فيك وأحسن الله جزاءك وما أحسن وجهك وتعالي واقربي واغزلي واسقيني وأطعميني وزوديني واقعدي وما أشبه ذلك وحكي وجه في اقعدي وأحسن الله جزاءك وزوديني ونحوها أنها كناية وهو ضعيف‏.‏

قال لزوجته أنت حرة أو معتقة أو أعتقتك ونوى الطلاق طلقت ولو قال لعبده طلقتك ونوى العتق عتق وللمناسبة والمشاركة بين الملكين يصلح كل واحدة منهما كناية في الآخر وكما أن صريح كل واحد منهما كناية في الآخر فكناياتها مشتركة مؤثرة في العقدين جميعاً بالنية لكن لو قال للعبد اعتد أو استبرىء رحمك ونوى العتق لم ينفذ لاستحالته في حقه ولو قال ذلك لأمته ونوى العتق أو لزوجته قبل الدخول ونوى العتق نفذ على الأصح والظهار والطلاق ليس أحدهما كناية في الآخر‏.‏

ولو قال لأمته أنت علي كظهر أمي ونوى العتق عتقت على الصحيح وقيل لا لأنه لا يزيل الملك بخلاف الطلاق‏.‏

 فصل قال لزوجته أنت علي حرام

أو محرمة أو حرمتك بأن نوى الطلاق نفذ رجعياً فإن نوى عدداً وقع ما نوى وحكى الحناطي وجهاً أنه لا يكون طلاقاً إذا قلنا إنه صريح في اقتضاء الكفارة كما سنذكره إن شاء الله تعالى قريباً وهذا وإن كان غريباً ففيه وفاء بالقاعدة المعروفة أن اللفظ الصريح إذا وجد نفاذاً في موضوعه لا ينصرف إلى غيره بالنية وإن نوى الظهار فهو ظهار وإن نواهما معاً فهل يكون ظهاراً أم طلاقاً أم تخير فما اختاره منهما ثبت فيه أوجه أصحها الثالث وبه قال ابن الحداد وأكثر الأصحاب ولا ينعقد الاثنان معاً قطعاً‏.‏

ولو نوى أحدهما قبل الآخر قال ابن الحداد إن أراد الظهار ثم أراد الطلاق صحا جميعاً وإن أراد الطلاق أولاً فإذا كان بائناً فلا معنى للظهار بعده وإن كان رجعياً كان الظهار موقوفاً فإن راجعها فهو صحيح والرجعة عود وإلا فهو لغو قال الشيخ أبو علي هذا التفصيل فاسد عندي لأن اللفظ الواحد إذا لم يجز أن يراد به التصرفان لم يختلف الحكم بارادتهما معاً أو متعاقبين وإن نوى تحريم عينها أو فرجها أو وطئها لم تحرم عليه ويلزمه كفارة يمين كما لو قال ذلك لأمته وفي وقت وجوب الكفارة وجهان أحدهما لا يجب إلا عند الوطء ويكون هذا اللفظ مع نية التحريم كاليمين على ترك الوطء وعلى هذا الوجه يكون مؤلياً بقوله أنت علي حرام لوجوب الكفارة بالوطء كقوله والله لا أطؤك‏.‏

والثاني وهو الصحيح أن الكفارة تجب في الحال وإن لم يطأ وهي ككفارة اليمين وليست كفارة يمين لأن اليمين لا تنعقد إلا بأسماء الله تعالى وصفاته فعلى هذا لو قال أردت الحلف على ترك الوطء لم يقبل على الصحيح لما ذكرناه وقيل يقبل وينعقد يميناً فعلى هذا هل يصير لفظ التحريم يميناً بالنية في غير الزوجات والإماء كالطعام واللباس وغيرهما أم يختص بالإبضاع وجهان‏.‏

وإن أطلق قوله أنت علي حرام ولم ينو شيئاً فقولان أظهرهما وجوب الكفارة وقوله أنت علي حرام صريح في لزوم الكفارة والثاني لا شيء عليه وهذا اللفظ كناية في لزوم الكفارة وهذا التفصيل مستمر فيمن قال أنت علي حرام في بلاد لم يشتهر فيها لفظ الحرام في الطلاق وفيمن قاله في بلاد اشتهر فيها للطلاق إذا قلنا إن الشيوع والاشتهار لا يجعله صريحاً فأما إذا قلنا إنه يصير به صريحاً فمقتضى ما في التهذيب أنه يتعين للطلاق ولا تفصيل وقال الإمام لا يمنع ذلك صرف النية إلى التحريم الموجب للكفارة كما أنا وإن جعلناه صريحاً في الكفارة عند الاطلاق يجوز صرفه بالنية إلى الطلاق قال وإذا أطلق وجعلناه صريحاً في الكفارة بني على أن الصرائح تؤخذ من الشيوع فقط أم منه ومن ورود الشرع به إن قلنا بالأول حمل على الغالب في الاستعمال وإن قلنا بالثاني فهل يثبت الطلاق لقوته أم يتدافعان فيه رأيان‏.‏

فرع قول الغزالي في الوسيط إن نوى التحريم كان يميناً هذا غلط بل الصواب ما اتفق عليه جميع الأصحاب أنه ليس بيمين لكن فيه كفارة يمين‏.‏

فرع قال لأمته أنت علي حرام أو حرمتك فإن نوى العتق عتقت طلاقاً أو ظهاراً فهو لغو قال ابن الصباغ وعندي أن نية الظهار كنية التحريم وإن نوى تحريم عينها لم تحرم ويلزمه كفارة يمين وإن أطلق ولم ينو شيئاً لزمته الكفارة على الأظهر وقيل قطعاً ولو قال ذلك لأمته التي هي اخته ونوى تحريم عينها أو لم ينو شيئاً لم تلزمه الكفارة لأنه صدق في وصفها وإنما تجب الكفارة لوصفه الحلال بالحرمة‏.‏

ولو كانت الأمة معتدة أو مرتدة أو مجوسية أو مزوجة أو كانت الزوجة محرمة أو معتدة عن شبهة ففي وجوب الكفارة وجهان لأنها محل لاستباحة في الجملة‏.‏

ولو كانت حائضاً أو نفساء أو صائمة وجبت على المذهب لأنها عوارض‏.‏

ولو خاطب به الرجعية فلا كفارة على المذهب ونقل الحناطي فيه خلافاً‏.‏

فرع قال هذا الثوب أو العبد أو الطعام حرام علي فهو لغو به كفارة ولا غيرها‏.‏

فرع قال كل ما أملكه حراًم علي وله زوجات وإماء ونوى تحريمهن أو أطلق وجعلناه صريحاً أو قال لأربع زوجاً ت أنتن علي حرام فهل تتعدد الكفارة أم تكفي كفارة واحدة عن جميع ذلك فيه خلاف المذهب الاكتفاء في الجميع وقيل تتعدد بالأشخاص وقيل للزوجات كفارة والإماء أخرى وقيل وللمال أخرى حكاه الحناطي‏.‏

فرع قال لزوجته أنت علي حرام أنت علي حرام ونوى التحريم أو جعلناه صريحاً فإن قال ذلك في مجلس أو قاله في مجالس ونوى التأكيد فعليه كفارة واحدة وإن قاله في مجالس ونوى الاستئناف تعددت الكفارة على الأصح وقيل عليه كفارة فقط وإن أطلق فقولان‏.‏

فرع قال أنت حرام ولم يقل علي قال البغوي هو كناية بلا خلاف ولو قال أنت علي كالميتة والدم والخمر أو الخنزير وقال أردت الطلاق أو الظهار نفذ وإن نوى التحريم لزمته الكفارة‏.‏

وإن أطلق فظاهر النص أنه كالحرام فيكون على الخلاف وعلى هذا جرى الإمام والذي ذكره البغوي وغيره أنه لا شيء عليه قال الحناطي الخلاف هنا مرتب على لفظ الحرام وهنا أولى بأن لا يكون صريحاً وحكى قولاً شاذاً أنه لا كفارة وإن نوى التحريم‏.‏

قال الشيخ أبو حامد ولو قال أردت أنها حرام علي فإن جعلناه صريحاً وجبت الكفارة وإلا فلا لأنه ليس للكناية كناية وتبعه على هذا جماعة ولا يكاد يتحقق هذا التصوير ولو قال أردت أنها كالميتة في الاستقذار صدق ولا شيء عليه‏.‏

فرع قال اسماعيل البوشنجي إنما يقع الطلاق بقوله أنت حرام علي إذا نوى حقيقة الطلاق وقصد إيقاعه بهذا اللفظ أما إذا لم ينو كذلك فلا يقع وإن اعتقد قوله أنت علي حرام موقعاً وظن أنه قد وقع طلاقه‏.‏

فرع قال متى قلت لامرأتي أنت علي حرام فإني أريد به الطلاق ثم قال لها بعد مدة أنت علي حرام فهل يحمل على الطلاق أم يكون كما لو ابتدأ به وجهان خرجهما أبو العباس الروياني‏.‏

قلت أصحهما الثاني‏.‏

والله أعلم‏.‏

فرع تكرر في كلام الأصحاب في المسألة أن قوله أنت علي حرام صريح في الكفارة أم كناية وفي الحقيقة ليس لزوم الكفارة معنى اللفظة حتى يقال صريح فيه أم كناية وإنما هو حكم رتبه الشرع على التلفظ به‏.‏

واختلفوا في أنه يتوقف على نية التحريم أم لا فتوسعوا باطلاق لفظ الصريح والكناية‏.‏

 فصل الكناية لا تعمل بنفسها بل لابد فيها من نية الطلاق

وتقترن النية باللفظ فلو تقدمت ثم تلفظ بلا نية أو فرغ من اللفظ ثم نوى لم تطلق فلو اقترنت بأول اللفظ دون آخره أو عكسه طلقت على الأصح ولا تلتحق الكناية بالصريح بسؤال المرأة الطلاق ولا بقرينة الغضب واللجاج ومتى تلفظ بكناية وقال ما نويت صدق بيمينه فإن نكل حلفت وحكم بوقوع الطلاق وربما اعتمدت قرائن يجوز الحلف بمثلها‏.‏

 فصل في مسائل منثورة متعلقة بالصريح والكناية

في الزيادات لأبي عاصم العبادي أنه لو قال بعتك طلاقك فقالت اشتريت ولم يذكراً عوضاً لا يحصل فرقة إذا لم يكن نية وقيل تقع طلقة بمهر المثل وأنه لو قال لم يبق بيني وبينك شيء ونوى الطلاق لم تطلق وفي هذا توقف‏.‏

وأنه لو قال برئت من نكاحك ونوى طلقت وأنه لو قال برئت من طلاقك ونوى لم تطلق ولو قال برئت إليك من طلاقك قال إسماعيل البوشنجي هو كناية أي تبرأت منك بوساطة إيقاع الطلاق عليك‏.‏

ولو قال أبرأتك أو عفوت عنك فكناية لإشعاره بالإسقاط وله عليها حقوق النكاح وتسقط بالطلاق وأنه لو قال طلقك الله أو قال لأمته أعتقك الله طلقت وعتقت وهذا يشعر بأنهما صريحان ورأى البوشنجي أنهما كنايتان لاحتماله الانشاء والدعاء‏.‏

وقول مستحق الدين للغريم أبرأك الله كقول الزوج طلقك الله‏.‏

ولو قال أنت طال وترك القاف طلقت حملاً على الترخيم‏.‏

قال البوشنجي ينبغي أن لا يقع وإن نوى فإن قال يا طال ونوى وقع لأن الترخيم إنما يكون في النداء فأما في غير النداء فلا يقع إلا نادراً في الشعر وانه إذا قال الطلاق لازم لي أو واجب علي طلقت للعرف‏.‏

ولو قال فرض علي لم تطلق لعدم العرف فيه‏.‏

ورأى البوشنجي أن جميع هذه الألفاًظ كناية لأنه لو قال طلاقك علي واقتصر عليه ونوى وقع فوصفه بواجب أو فرض يزيده تأكيداً وحكى صاحب العدة الخلاف فقال لو قال طلاقك لازم لي فوجهان‏.‏

قال أكثر الأصحاب هو صريح ولو قال لست بزوجة لي فالصحيح أنه كناية وقيل لغو وفي فتاوى القفال أنه لو قال اذهبي إلى بيت أبوي ونوى الطلاق إن نواه بقوله اذهبي وقع وإن نواه بمجموع اللفظين لم يقع لأن قوله إلى بيت أبوي لا يحتمل الطلاق بل هو لاستدراك مقتضى قوله اذهبي وأنه لو قال لها أنت طالقان أو طوالق لم يقع إلا طلقة وأنه لو قال كل امرأة لي طالق إلا عمرة ولا امرأة له سواها طلقت لأن الاستثناء مستغرق فبطل ولو قال النساء طوالق إلا عمرة ولا زوجة له سواها لم تطلق وإن كانت إمرأته في نسوة فقال طلقت هؤلاء إلا هذه وأشار إلى زوجته لم تطلق وأنه لو قال لامرأته يا بنتي وقعت الفرقة بينهما عند احتمال السن كما لو قاله لعبده أو أمته‏.‏

قلت المختار في هذا أنه لا يقع به فرقة إذا لم يكن له نية لأنه إنما يستعمل في العادة للملاطفة وحسن المعاشرة والله أعلم‏.‏

وأنه لو كانت له زوجة تنسب إلى زوج أمها فقال بنت فلان طالق لم تطلق لأنها ليست بنته حقيقة ولغيره في هذا احتمال‏.‏

قلت ينبغي أن يقال إن نواها طلقت ولا يضر الغلط في نسبها كنظيره في النكاح وإلا فلا ومراد القفال بقوله لم تطلق أي في الظاهر وأما الباطن فيتعين أن يكون كما ذكرته‏.‏

والله أعلم‏.‏

وأنه لو قال نساء المسلمين طوالق لم تطلق امرأته‏.‏

وعن غيره أنها تطلق وبنى الخلاف على أن المخاطب هل يدخل في الخطاب‏.‏

قلت الأصح عند أصحابنا في الأصول أنه لا يدخل وكذا هنا الأصح أنها لا تطلق والله أعلم‏.‏

وأنه لو قال بانت مني امرأتي أو حرمت علي لم يكن إقراراً بالطلاق لأنه كناية وأنه لو قال أنت بائن ثم قال بعد مدة أنت طالق ثلاثاً وقال أردت بالبائن الطلاق فلم يقع على الثلاث لمصادفتها البينونة لم يقبل منه لأنه متهم وأنه لو قال بطلاقك لا أكلم فلاناً فكلمه لم تطلق لأن الطلاق لا يحلف به‏.‏

وأنه لو قالت له زوجته واسمها فاطمة طلقني فقال طلقت فاطمة ثم قال نويت فاطمة أخرى طلقت ولا يقبل قوله لدلالة الحال بخلاف ما لو قال ابتداء طلقت فاطمة ثم قال نويت أخرى قد يشكل هذا بما سبق أن السؤال لا يلحق الكناية بالصريح وأنه لو قال طلقت ولم يزد عليه لا يقع الطلاق وإن نوى لأنه لم يجر للمرأة ذكر ولا دلالة فهو كما لو قال امرأتي ونوى الطلاق وأنه لو قال لولي امرأته زوجها كان إقراراً بالفراق‏.‏

ولو قال لها انكحي لم يكن إقراراً لأنها لا تقدر أن تنكح ولكن المفهوم منه ما يفهم من قول الله تعالى ‏"‏ حتى تنكح زوجاً غيره ‏"‏ قلت الصواب أنه كناية إذا خاطبها به بخلاف الولي لأنه صريح فيه والله أعلم‏.‏

ومما نقل من معلقات القاضي شريح الروياني من أصحابنا المتأخرين ما حكاه عن جده أبي العباس الروياني وغيره أنه لو قال أحللتك ونوى طلاقها هل هو كناية وجهان‏.‏

قلت الأصح أنه كناية‏.‏

والله أعلم‏.‏

وأنه لو كرر كناية كقوله اعتدي اعتدي اعتدي ونوى الطلاق فإن نوى التأكيد وقعت واحدة وإن نوى الاستئناف فثلاث وإن لم ينو فقولان ولو كانت الألفاظ مختلفة ونوى بها الطلاق وقع بكل لفظة طلقة‏.‏

وأن القفال قطع بأنه لو قال طلقت ونوى امرأته لم تطلق لعدم الاشارة والاسم ولو قيل له ما تصنع بهذه الزوجة طلقها فقال طلقت أو قال لامرأته طلقي نفسك فقالت طلقت وقع الطلاق لأنه يترتب على السؤال والتقويض وأنه لو قال أنت بطلقة ونوى لم تطلق‏.‏

وأنه لو كان له زوجتان إحداهما فاطمة بنت محمد والأخرى فاطمة بنت رجل سماه أبواه أيضاً محمداً إلا أنه اشتهر في الناس بزيد وبه يدعونه فقال الزوج زوجتي فاطمة بنت محمد طالق وقال أردت بنت الذي يدعونه زيداً قال جدي يقبل لأن الاعتبار بتسمية أبويه وقد يكون للرجل اسمان وأكثر وقيل الاعتبار بالاسم المشهور في الناس لأنه أبلغ في التعريف وأنه لو قال امرأتي هذه محرمة علي لا تحل لي أبداً قال جدي لا تطلق لأن التحريم قد يكون بغير الطلاق وقد يظن التحريم المؤبد باليمين على ترك الجماع وقيل يحكم عليه بالبينونة لمقتضى هذا اللفظ وأنه لو قيل لرجل اسمه زيد يا زيد فقال امرأة زيد طالق قال جدي تطلق امرأته‏.‏

وقيل لا تطلق حتى يريد نفسه لجواز إرادة زيد آخر وليجيء هذا الوجه فيما إذا قال فاطمة طالق واسم زوجته فاطمة ويشبه أن يكون هو الأصح ليكون قاصداً تطليق زوجته وأنه لو قيل طلقت امرأتك فقال اعلم أن الأمر على ما تقوله فهل يكون هذا إقراراً بالطلاق وجهان حكاهما جدي أصحهما ليس باقرار لأنه أمره أن يعلم ولم يحصل هذا العلم وأنها لو ادعت أنه طلقها ثلاثاً فأنكر ثم قال لفقيه اكتب لها ثلاثاً قال جدي يحتمل كونه كناية ويحتمل أن لا يكون وأنه لو قال امرأتي التي في هذه الدار طالق ولم تكن امرأته فيها لا يقع الطلاق وأنه لو قال رددت عليك الطلقات الثلاث ونوى وقع الثلاث وأنه لو قال امرأته طالق وعنى نفسه قال جدي يحتمل وقوع الطلاق ويحتمل عدمه قلت الوقوع أرجح والله أعلم‏.‏

وأنه لو قال لابنه قل لأمك أنت طالق قال جدي إن أراد التوكيل فإذا قاله لها الابن طلقت ويحتمل أن يقع ويكون الابن مخبراً لها بالحال‏.‏

وأنه لو قال كل امرأة في السكة طالق وزوجته في السكة طلقت على الأصح وأنه لو وكل في طلاقها فقال الوكيل طلقت من يقع الطلاق عليها بلفظي هل تطلق التي وكله في طلاقها أو طلقها ولم ينو عند الطلاق أن يطلق لموكله ففي الوقوع وجهان‏.‏

وفي فتاوي القاضي حسين أنه لو قيل له فعلت كذا فأنكر فقيل له إن كنت فعلته فامرأتك طالق قال نعم لم تطلق لأنه لم يوقعه قال البغوي ينبغي أن يكون على القولين فيمن قيل له طلقتها قال وفي المستدرك للإمام إسماعيل البوشنجي أنه لو قال لزوجته وهبتك لأهلك أو لأبيك أو للأزواج أو للأجانب ونوى الطلاق طلقت كقوله الحقي بأهلك‏.‏

وأنه لو قال لامرأته أنت كذا ونوى الطلاق لم تطلق‏.‏

وكذا لو علق بصفة فقال إن لم أدخل الدار فأنت كذا ونوى لم تطلق لأنه لا إشعار له بالفرقة فأشبه إذا قال إن لم أدخل الدار فأنت كما أضمر ونوى الطلاق فإنها لا تطلق وأنه لو قال أربع طرق عليك مفتوحة فخذي أيها شئت أو لم يقل خذي أيها شئت أو قال فتحت عليك طريقك فكناية وقال أبو بكر الشاشي إذا لم يقل خذي أيها شئت فليس كناية ووافق في قوله فتحت عليك طريقك أنه كناية‏.‏

وأنه لو قال خذي طلاقك فقالت أخذت لم تطلق ما لم توجد نية الايقاع من الزوج بقوله خذي أو من المرأة إن حمل قوله على تفويض الطلاق إليها‏.‏

وفي الإقناع لأقضى القضاة الماوردي أن قوله لعل الله يسوق إليك خيراً كناية وذكر هو وغيره أن قوله بارك الله لك كناية بخلاف قوله بارك الله فيك‏.‏

وفي فتاوى الغزالي إذا كتب الشروطي إقرار رجل بالطلاق فقال له الشهود نشهد عليك بما في هذا الكتاب فقال اشهدوا لا يقع الطلاق بينه وبين الله تعالى بل لو قال اشهدوا على أني طلقتها أمس وهو كاذب لم يقع فيما بينه وبين الله تعالى‏.‏

وفي التتمة أنه لو قال لواحدة من نسائه أنت طالق مائة طلقة فقالت تكفيني ثلاث فقال الباقي على صواحبك لا يقع على صواحبها طلاق لأنه لم يخاطبهن وإنما رد عليها شيئاً لاغياً فإن نوى به الطلاق كان طلاقاً وكان التقدير أنت طالق بثلاث وهن طوالق بالباقي وأنه لو قال كل امرأة أتزوجها فهي طالق وأنت يا أم أولادي قال أبو عاصم العبادي لا تطلق وهو كما قال غيره لو قال لزوجته نساء العالمين طوالق وأنت يا فاطمة لا تطلق لأنه عطف على نسوة لم يطلقن وأنه لو قال له رجل فعلت كذا فأنكر فقال الرجل الحل عليك حرام والنية نيتي أنك ما فعلت فقال الحل علي حرام والنية نيتك ما فعلته لغا قوله النية نيتك ويكون الحكم كما لو تلفظ بهذا اللفظ ابتداءً ولو قال له لما أنكر امرأتك طالق إن كنت كاذباً فقال طالق وقال ما أردت طلاق امرأتي يقبل لأنه لم توجد إشارة إليها ولا تسمية وإن لم يدع إرادة غيرها حكم بوقوع الطلاق وبالله التوفيق‏.‏

فرع قال أنت طالق ثلاثاً أو لا باسكان الواو لا يقع شيء قال المتولي كما لو قال هل أنت طالق ولو قال أنت طالق أو لا بتشديد الواو وهو يعرف العربية طلقت‏.‏

الطرف الثاني في الأفعال القائمة مقام اللفظ‏.‏

الإشارة والكتب يدلان على الطلاق فأما الإشارة فمعتبرة من الأخرس في وقوع الطلاق وتقوم إشارته مقام عبارة الناطق في جميع العقود والحلول والأقارير والدعاوي لكن في شهادته خلاف‏.‏

وإذا أشار في صلاته بطلاق أو بيع أو غيرهما صح العقد قطعاً ولا تبطل صلاته على الصحيح ثم منهم من أدار الحكم على إشارته المفهومة وأوقع الطلاق بها نوى أم لم ينو وكذا فصل البغوي‏.‏

وقال الإمام وآخرون إشارته منقسمة إلى صريحة مغنية عن النية وهي التي يفهم منها الطلاق كل واقف عليها وإلى كناية مفتقرة إلى النية وهي التي يفهم الطلاق بها المخصوص بالفطنة والذكاء‏.‏

ولو بالغ في الإشارة ثم ادعى أنه لم يرد الطلاق وأفهم هذه الدعوى‏.‏

قال الإمام هو كما لو فسر اللفظة الشائعة في الطلاق بغيره‏.‏

فرع سواء في اعتبار إشارة الأخرس قدر على الكتابة أم لا هكذا قاله الإمام ويوافقه إطلاق الجمهور‏.‏

وقال المتولي إنما تعتبر إشارته إذا لم يقدر على كتابة مفهمة‏.‏

فالكتابة هي المعتبرة لأنها أضبط وينبغي أن يكتب مع ذلك إني قصدت الطلاق‏.‏

إذا كتب الأخرس الطلاق فثلاثة أوجه الصحيح أنه كناية فيقع الطلاق إذا نوى وإن لم يشر معها والثاني لا بد من الإشارة والثالث هو صريح قاله الشيخ أبو محمد‏.‏

 فصل القادر على النطق

إشارته بالطلاق ليست صريحة وإن أفهم بها كل أحد وليست كناية أيضاً على الأصح ولو قال لإحدى زوجتيه أنت طالق وهذه ففي افتقار طلاق الثانية إلى نية وجهان‏.‏

ولو قال امرأتي طالق وأشار إلى إحداهما ثم قال أردت الأخرى فوجهان‏.‏

أحدهما يقبل والثاني لا يقبل بل تطلقان جميعاً‏.‏

 فصل إذا كتب القادر بطلاق زوجته نظر

إن قرأ ما كتبه وتلفظ حال الكتابة أو بعدها طلقت وإن لم يتلفظ نظر إن لم ينو إيقاع الطلاق لم تطلق على الصحيح وقيل تطلق وتكون الكتابة صريحاً وليس بشيء وإن نوى ففيه أقوال وأوجه وطرق مختصرها ثلاثة أقوال‏.‏

أظهرها تطلق مطلقاً والثاني لا والثالث تطلق إن كانت غائبة عن المجلس وإلا فلا‏.‏

وهذا الخلاف جار في سائر التصرفات التي لا تفتقر إلى قبول كالإعتاق والإبراء والعفو عن القصاص وغيرها بلا فرق وأما ما يحتاج إلى قبول فهو نكاح وغيره أما غيره كالبيع والهبة والاجارة ففي انعقادها بالكتب خلاف مرتب على الطلاق وما في معناه إن لم يعتبر الكتب هناك فهنا أولى وإلا فوجهان للخلاف في انعقاد هذه التصرفات بالكنايات ولأن القبول فيها شرط فيتأخر عن الايجاب والأشبه الانعقاد‏.‏

ومن قال به جعل تمام الايجاب بوصول الكتاب حتى يشترط اتصال القبول به وفي وجه لا يشترط ذلك بل يراعى التواصل اللائق بين الكتابين وقد أشرنا إلى هذا كله في أول البيع وذكرنا عن بعضهم أن المشتري لو قبل بالقول كان أقوى من أن يكتب وكذا ذكره الإمام‏.‏

وأما النكاح ففيه خلاف مرتب والمذهب منعه بسبب الشهادة فلا اطلاع للشهود على النية‏.‏

ولو قالا بعد المكاتبة نوينا كان شهادة على إقرارهما لا على نفس العقد ومن جوز اعتمد الحاجة‏.‏

وإذا قلنا ينعقد البيع والنكاح بالمكاتبة فذلك في حال الغيبة فأما عند الحضور فخلاف مرتب وحيث حكمنا بانعقاد النكاح بالمكاتبة يكتب زوجتك بنتي ويحضر الكتاب عدلان ولا يشترط أن يحضرهما ولا أن يقول اشهدا‏.‏

فإذا بلغه فيقبل لفظاً أو يكتب القبول ويحضر القبول شاهدا الايجاب فإن شهده آخران فوجهان‏.‏

أصحهما المنع ومن جوزه احتمله كما احتمل الفصل بين الايجاب والقبول ثم إذا قبل لفظاً أو كتابة يشترط كونه على الفور وفيه وجه ضعيف سبق‏.‏

كتب إليه وكلتك في بيع كذا من مالي أو إعتاق عبدي فإن قلنا الوكالة لا تفتقر إلى القبول فهو ككتب الطلاق وإلا فكالبيع ونحوه‏.‏

فرع كتب زوجتي طالق أو يا فلانة أنت طالق أو كل زوجة لي فهي طالق فإن قرأ ما كتبه فقد ذكرنا أنها تطلق‏.‏

فلو قال لم أنو الطلاق وإنما قصدت قراءة ما كتبته وحكايته ففي قبوله ظاهراً وجهان مشبهان بالوجهين فيما لو حل الوثاق وقال أنت طالق وفائدة الخلاف إنما تظهر إذا لم يجعل الكتب صريحاً ولا كناية أو قلنا كناية وأنكر اقتران النية‏.‏

فرع إذا أوقعنا الطلاق بالمكاتبة نظر في صورة المكتوب إن كتب أما بعد فأنت طالق طلقت في الحال سواء وصلها الكتاب أم ضاع‏.‏

وإن كتب إذا قرأت كتابي فأنت طالق لم يقع بمجرد البلوغ بل عند القراءة‏.‏

فإن كانت تحسن القراءة طلقت إذا قرأته قال الإمام والمعتبر أن تطلع على ما فيه واتفق علماؤنا على أنها إذا طالعته وفهمت ما فيه طلقت وإن لم تتلفظ بشيء فلو قرأه غيرها عليها فهل يقع الطلاق لأن وإن كانت لا تحسن القراءة طلقت إذا قرأه عليها شخص على الصحيح وقيل لا تطلق أصلاً ولو كان الزوج لا يعلم أهي قارئة أم لا فيجوز أن ينعقد التعليق على قراءتها بنفسها نظراً إلى حقيقته ويجوز أن ينعقد على الفهم والاطلاع لأنه القدر المشترك بين الناس والأول أقرب أما إذا كتب وإذا أتاك كتابي أو بلغك أو وصل إليك كتابي فأنت طالق فلا يقع الطلاق قبل أن يأتيها فإن انمحى جميع المكتوب فبلغها القرطاس بحيث لا يمكن قراءته لم تطلق كما لو ضاع‏.‏

وقيل تطلق إذ يقال أتى كتابه وقد انمحى والصحيح الأول‏.‏

وإن بقي أثر وأمكنت قراءته طلقت كما لو وصل بحاله وإن وصلها بعض الكتاب دون بعضه فحرم الكتاب أربعة أقسام‏.‏

أحدها موضع الطلاق فإن كان هو الضائع أو انمحى ما فيه فثلاثة أوجه أصحها لا تطلق والثاني تطلق والثالث إن قال إذا جاءك كتابي وقع وإن قال إذا جاءك كتابي هذا أو الكتاب فلا‏.‏

الثاني موضع سائر مقاصد الكتاب ومنه ما يعتذر به عن الطلاق ويوبخها عليه من الأفعال الملجئة إلى الطلاق فإن كان الخلل فيه بالتخرق والانمحاء وبقي موضع الطلاق وغيره ففيه الأوجه الثلاثة والوقوع هنا أولى وبه قال أبو إسحاق لوصول المقصود ويحسن الاعتماد على الوجه الثالث في الصورتين‏.‏

الثالث موضع السوابق واللواحق كالتسمية وصدر الكتاب والحمد والصلاة‏.‏

فإذا كان الخلل فيه والمقاصد باقية ففيه الأوجه لكن الأصح هنا الوقوع‏.‏

قال الإمام وكنت أود أن يفرق في هذه الصور الثلاث بين أن يبقى معظم الكتاب أم يختل فإن للمعظم أثراً في بقاء الاسم وعدمه‏.‏

قلت هذا الذي أشار إليه الإمام هو وجه ذكره في المستظهري لكنه لم يطرده فيما إذا انمحى موضع الطلاق لم يقع عنده‏.‏

وعند سائر العراقيين قطعاً ولفظه وقيل إن وجد أكثر الكتاب طلقت والله أعلم‏.‏

الرابع البياض في أول الكتاب وآخره‏.‏

المذهب أنه لا عبرة‏.‏

بزواله وقيل يطرد الخلاف‏.‏

أما إذا كتب إذا بلغك كتابي فأنت طالق فإن بلغ موضع الطلاق وقع بلا تفصيل ولا خلاف وإن بلغ ما سواه وبطل موضع الطلاق لم تطلق‏.‏

فرع كتب إذا بلغك كتابي فأنت طالق وكتب أيضاً إذا وصل إليك فأنت طالق فبلغها وقعت طلقتان للصفتين‏.‏

ولو كان التعليق بقراءتها فقرأت بعضه دون بعض فعلى ما ذكرناه في وصول بعضه دون بعض‏.‏

كتب كتابه ونوى فككتب الصريح‏.‏

ولو أمر الزوج أجنبياً فكتب ونوى الزوج لم تطلق كما لو قال للأجنبي قل لزوجتي أنت بائن ونوى الزوج لا تطلق‏.‏

فرع كتب إذا بلغك نصف كتابي هذا فأنت طالق فبلغها كله فهل يقع لاشتمال الكل على النصف أم لا لأن النصف في مثل هذا يراد به المنفرد وجهان‏.‏

قلت الأصح الوقوع‏.‏

والله أعلم‏.‏

فرع الكتب على الكاغد والرق واللوح والنقر في الحجر والخشب سواء في الحكم ولا عبرة برسم الحروف على الماء والهواء لأنها لا تثبت قال الإمام ولا يمتنع أن يلحق هذا بالإشارة المفهمة ولك أن تمنعه لأن هذا إشارة إلى الحروف لا إلى معنى الطلاق وهو الإبعاد‏.‏

قلت ولو خط على الأرض وأفهم فكالخط على الورق ذكره الإمام والمتولي وغيرهما وقد سبق في كتاب البيع والله أعلم‏.‏

فرع قالت أتاني كتاب الطلاق فأنكر أنه كتبه أو أنه نوى صدق‏.‏

فلو شهد شهود أنه خطه لم تطلق بمجرد ذلك بل يحتاج مع ذلك إلى إثبات قراءته أو نيته‏.‏

فرع كتب أنت طالق ثم استمد فكتب إذا أتاك كتابي فإن احتاج لم تطلق حتى يبلغها الكتاب وإلا طلقت في الحال‏.‏

فرع حرك لسانه بكلمة الطلاق ولم يرفع صوته قدراً يسمع نفسه‏.‏

قال المتولي حكى الزجاجي أن المزني نقل فيه قولين أحدهما تطلق لأنه أقوى من الكتب مع النية‏.‏

والثاني لا لأنه ليس بكلام ولهذا يشترط في قراءة الصلاة أن يسمع نفسه قلت الأظهر الثاني لأنه في حكم النية المجردة بخلاف الكتب فإن المعتمد في وقوع الطلاق به حصول الإفهام ولم يحصل هنا‏.‏

والله أعلم‏.‏

الطرف الثالث في التفويض يجوز أن يفوض إلى زوجته طلاق نفسها فإذا فوض فقال طلقي نفسك إن شئت فهل هو تمليك للطلاق أم توكيل به قولان أظهرهما تمليك وهو الجديد فعلى هذا تطليقها يتضمن القبول ولا يجوز لها تأخيره فلو أخرت بقدر ما ينقطع القبول عن الايجاب ثم وقال ابن القاص وغيره لا يضر التأخير ما داما في المجلس وقال ابن المنذر لها أن تطلق متى شاءت ولا يختص بالمجلس والصحيح الأول وبه قال الأكثرون‏.‏

ولو قال طلقي نفسك بألف أو على ألف إن شئت فطلقت وقع بائناً وهذا تمليك بعوض‏.‏

وإذا لم يجر عوض فهو كالهبة‏.‏

قال القفال ولو قال طلقي نفسك فقالت كيف يكون تطليقي لنفسي ثم قال طلقت وقع الطلاق ولم يكن هذا القدر قاطعاً وهذا تفريع على أن الكلام اليسير لا يضر تخلله‏.‏

أما إذا قلنا التفويض توكيل ففي اشتراط قبولها الخلاف المذكور في سائر الوكالات ويجيء الوجه الفارق بين صيغة الأمر بأن يقول طلقي نفسك‏.‏

وصيغة العقد كقوله وكلتك في طلاق نفسك‏.‏

وهل يجوز تأخير التطليق على هذا القول وجهان أصحهما نعم فتطلق متى شاءت كتوكيل الأجنبي‏.‏

والثاني وبه قال القاضي حسين البغوي لا وطرده القاضي فيما لو قال وكلتك في طلاق نفسك‏.‏

أما إذا قال طلقي نفسك متى شئت فيجوز التأخير قطعاً وللزوج أن يرجع فيه قبل أن تطلق نفسها إن جعلناه توكيلاً وكذا إن جعلناه تمليكاً على الصحيح ومنعه ابن خيران‏.‏

ولو قال إذا جاء رأس الشهر فطلقي نفسك فإن قلنا تمليك لغا وليس لها التطليق إذا جاء رأس الشهر‏.‏

وإن قلنا توكيل جاز كتوكيل الأجنبي‏.‏

وعلى هذا لو قال إذا جاء رأس الشهر فطلقي نفسك إن ضمنت لي ألفاً أو قال طلقي نفسك إن ضمنت لي ألفاً بعد شهر فإذا طلقت نفسها على ألف بعد مضي الشهر طلقت ولزمها الألف‏.‏

قال إسماعيل البوشنجي لو قال لأجنبي إذا جاء رأس الشهر فأمر امرأتي بيدك فإن كان قصده بذلك إطلاق الطلاق له بعد انقضاء الشهر فله التطليق بعد أي وقت شاء إلا أن يطرأ منع وإن أراد تقييد الأمر برأس الشهر تقيد الطلاق به وليس له التطليق بعده ولو قال إذا مضى هذا الشهر فأمرها بيدك فمقتضاه إطلاق الإذن بعده فيطلقها بعده متى شاء ولو قال أمرها بيدك إلى شهر أو شهراً فله أن يطلقها إلى شهر وليس له تطليقها بعده‏.‏

وهذه الأحكام في حق الزوجة كهي في حق الأجنبي إذا جعلنا التفويض إليها توكيلاً‏.‏

فرع قال طلقي نفسك فقالت طلقت نفسي أو أنا طالق إذا قدم زيد لم يقع الطلاق إذا قدم لأنه لم يملكها التعليق وكذا حكم الأجنبي وفيها وجه حكاه الحناطي‏.‏

ولو قال لها علقي طلاقك ففعلت أو قاله لأجنبي ففعل لم يصح لأن تعليق الطلاق يجري مجرى الأيمان فلا يدخله نيابة وقيل يصح وقيل إن علق على صفة توجد لا محالة كطلوع الشمس ورأس الشهر صح لأن مثل هذا التعليق ليس بيمين وإن كانت محتملة الوجود كدخول الدار لم يصح لأنه يمين والصحيح هو الأول وبه قطع البغوي‏.‏

فرع تفويض الإعتاق إلى العبد كتفويض التطليق إلى الزوجة في الأحكام المذكورة‏.‏

 فصل كما يجوز التفويض بصريح الطلاق

ويعتد من المفوض إليها بالصريح كذلك كذلك يجوز التفويض بالكنايات مع النية ويعتد منها بالكناية مع النية ولا يشترط توافق لفظيهما إلا أن يقيد التفويض‏.‏

فإذا قال أبيني نفسك أو بتي فقالت أبنت أو بتت ونويا طلقت‏.‏

وإن لم ينو أحدهما لم تطلق‏.‏

ولو قال طلقي نفسك فقالت أبنت نفسي أو أنا خلية أو برية ونوت طلقت على الصحيح‏.‏

وقال ابن خيران وأبو عبيد بن حربويه لا تطلق‏.‏

ولو قال طلقي نفسك فقالت للزوج طلقتك ففيه هذا الخلاف ويجري الخلاف في عكسه بأن يقول أبيني نفسك أو فوضت إليك أمرك أو ملكتك نفسك أو أمرك بيدك وينوي فتقول طلقت نفسي قال القاضي حسين وغيره ويجري فيما لو قال لأجنبي طلقها فقال أبنتها ونوى أو قال أبنها ونوى فقال طلقتها‏.‏

ولو قال لها أبيني نفسك ونوى فقالت أنا خلية ونوت فإن قلنا بالصحيح طلقت وعلى قول ابن خيران وجهان‏.‏

أصحهما تطلق لأن الإعتماد هنا على النية واللفظ غير مستقل بخلاف اختلاف الصريح والكناية

ولو قال طلقي نفسك بصريح الطلاق أو قال بكناية الطلاق فعدل عن المأذون فيه إلى غيره لم تطلق بلا خلاف‏.‏

ولو قال طلقي نفسك فقالت سرحت نفسي طلقت بلا خلاف لاشتراكهما في الصراحة‏.‏

فرع قال لها اختاري نفسك ونوى تفويض الطلاق فقالت اخترت نفسي أو اخترت ونوت وقعت طلقة‏.‏

ولو قال اختاري ولم يقل نفسك ونوى تفويض الطلاق فقالت اخترت ففي التهذيب أنه لا يقع الطلاق حتى تقول اخترت نفسي وأشعر كلامه بأنه لا يقع وإن نوت لأنه ليس في كلامه ولا كلامها ما يشعر بالفراق بخلاف قوله اختاري نفسك فإنه يشعر فانصرف كلامها إليه وقال إسماعيل البوشنجي إذا قالت اخترت ثم قالت بعد ذلك أردت اخترت نفسي وكذبها الزوج فالقول قولها ويقع الطلاق‏.‏

ولو قالت اخترت نفسي ونوت وقعت طلقة وتكون رجعية إن كانت محلاً للرجعة‏.‏

ولو قالت اخترت زوجي أو النكاح لم تطلق‏.‏

ولو قالت اخترت الأزواج أو اخترت أبوي أو أخي أو عمي طلقت على الأصح سواء قال اختاري نفسك أو اختاري فقط‏.‏

فرع متى كان التفويض وتطليقها أو أحدهما بكناية فتنازعا في النية فالقول قول الناوي سواء أثبتها أم نفاها وقال الاصطخري إذا ادعت أنها نوت فأنكر صدق لأن الأصل بقاء النكاح والصحيح الأول لأن النية لا تعرف إلا من الناوي‏.‏

ولو اختلفا في أصل التخيير فأنكره الزوج أو قال خيرتك فلم تختاري في وقت الاختيار وقالت اخترت فالقول قوله للأصل‏.‏

قال ابن كج ولو جعل أمرها إلى وكيل فقال لها الوكيل أمرك بيدك وزعم أنه نوى الطلاق وصدقته المرأة وكذبه الزوج فالقول قول الوكيل على الصحيح لأنه أمينه‏.‏

وقيل القول قول الزوج للأصل‏.‏

ولو توافق الزوجان على تكذيبه لم يقبل قول الوكيل‏.‏

فرع القول في اشتراط الفور في قبولها إذا فوض بكناية على ما ذكرنا إذا فوض بصريح‏.‏

فرع قال اختاري من ثلاث طلقات ما شئت أو طلقي نفسك من ثلاث ما شئت فلها أن تطلق نفسها واحدة أو اثنتين ولا تملك الثلاث‏.‏

فرع خير صبية فاختارت لم تطلق‏.‏

فرع قال المتولي لو قال ثلاث مرات اختاري وقال أردت واحدة لم يقع إلا واحدة‏.‏

فرع ذكر إسماعيل البوشنجي أنه لو إذا قال اختاري نفسك أو طلقي‏.‏

نفسك فقالت أختار أو أطلق فمطلقة للاستقبال فلا يقع في الحال شيء‏.‏

فإن قال أردت الإنشاء وقع في الحال‏.‏

قلت هذا كما قال ولا يخالف هذا قول النحويين أن الفعل المضارع إذا تجرد فالحال أولى به لأنه ليس صريحاً في الحال وعارضه أصل بقاء النكاح‏.‏

والله أعلم‏.‏

فرع ذكر إسماعيل البوشنجي أنه لو خيرها وهي لا تعلم فاختارت اتفاقاً خرج على الخلاف فيما لو وأنه لو قال لرجل أمر امرأتي بيد الله تعالى وبيدك يسأل فإن قال أردت أنه لا يستقل بالطلاق قبل قوله ولم يكن له أن يطلق وإن قال أردت أن الأمور كلها بيد الله تعالى والذي أثبته الله لي جعلته في يدك قبل واستقل ذلك الرجل‏.‏

وأنه لو قال كل أمر لي عليك قد جعلته بيدك فعندي أن هذا ليس بتفويض صريح وأنه ليس لها أن تطلق نفسها ثلاثاً ما لم ينو هو الثلاث‏.‏

وأنه لو قال لها اختاري اليوم وغداً وبعد غد فالمضاف إلى الزمن المستقبل ينبغي أن يكون على الخلاف في أن التفويض عليك أم توكيل إن قلنا تمليك لم يحتمل التراخي كالبيع وإلا فهو كتوكيله بالبيع اليوم وغداً وبعد غد فعلى هذا له الرد في بعض الأيام دون بعض فصل قال طلقي نفسك ونوى الثلاث فقالت طلقت نفسي ونوت الثلاث وقع الثلاث‏.‏

وإن لم تنو هي العدد فهل يقع واحدة أم الثلاث وجهان‏.‏

أصحهما واحدة‏.‏

ولو قال طلقي نفسك ثلاثاً فقالت طلقت أو طلقت نفسي ولم تلفظ بالعدد ولا نوته وقع الثلاث لأن قولها هنا جواب لكلامه فهو كالمعاًد في الجواب بخلاف ما إذا لم يتلفظ هو بالثلاث ونوتها لأن المنوي لا يمكن تقدير عوده في الجواب فإن التخاطب باللفظ لا بالنية‏.‏

وفيه احتمال للإمام أنه لا يقع إلا واحدة‏.‏

ولو فوض بكناية فلو نوى أحدهما عدداً والآخر عدداً آخر وقع الأقل‏.‏

ولو قال طلقي نفسك ثلاثاً فطلقت واحدة أو ثنتين وقع ما أوقعته‏.‏

ثم إن أوقعت واحدة فراجعها في الحال‏.‏

قال البغوي في الفتاوى لها أن تطلق ثانية وثالثة لأنه لا فرق بين أن تطلق الثلاث دفعة وبين قولها طلقت نفسي واحدة وواحدة وواحدة فلا يقدح تخلل الرجعة بين الطلقتين‏.‏

ولو قال طلقي واحدة فقالت طلقت ثلاثاً أو ثنتين وقعت واحدة والحكم في الطرفين في توكيل الأجنبي كما ذكرنا‏.‏

قلت وحكى صاحب المهذب وغيره وجهاً في الوكيل إذا زاد أو نقص لا يقع شيء لأنه متصرف بالإذن ولم يؤذن في هذا‏.‏

والله أعلم‏.‏

ولو قال طلقي نفسك ثلاثاً إن شئت فطلقت واحدة أو قال واحدة إن شئت فطلقت ثلاثاً وقعت واحدة كما لو لم يقل إن شئت‏.‏

ولو قدم ذكر المشيئة على العدد فقال طلقي نفسك إن شئت ثلاثاً فطلقت واحدة أو قال طلقي إن شئت واحدة فطلقت ثلاثاً قال صاحب التلخيص وسائر الأصحاب لا يقع لأن مشيئة ذلك العدد صارت شرطاً في أصل الطلاق وبالله التوفيق‏.‏

الركن الثالث القصد إلى الطلاق فيشترط أن يكون قاصداً لحروف الطلاق بمعنى الطلاق ولا يكفي القصد إلى حروف الطلاق من غير قصد معناه ويختل القصد بثلاثة أسباب‏.‏

الأول أن لا يقصد اللفظ كالنائم تجري كلمة الطلاق على لسانه‏.‏

ولو استيقظ نائم وقد جرى فرع من سبق لسانه إلى لفظ الطلاق في محاورته وكان يريد أن يتكلم بكلمة أخرى لم يقع طلاقه لكن لا تقبل دعواه سبق اللسان في الظاهر إلا إذا وجدت قرينة تدل عليه‏.‏

فإذا قال طلقتك ثم قال سبق لساني وإنما أردت طلبتك فنص الشافعي رحمه الله تعالى أنه لا يسع امرأته أن تقبل منه وحكى الروياني عن صاحب الحاوي وغيره أن هذا فيما إذا كان الزوج متهماً‏.‏

فأما إن ظنت صدقه بإمارة فلها أن تقبل قوله ولا تخاصمه‏.‏

وأن من سمع ذلك منه إذا عرف الحال يجوز أن يقبل قوله ولا يشهد عليه قال الروياني وهذا هو الاختيار‏.‏

ولو كانت زوجته تسمى طالقاً وعبده يسمى حراً فقال لها يا طالق وله يا حر فإن قصد النداء فلا طلاق ولا عتق وإن قصد الطلاق والعتق حصلا‏.‏

وإن أطلق ولم ينو شيئاً فعلى أيهما يحمل وجهان‏.‏

أصحهما على النداء وبه قطع البغوي ولو كان حروف اسم امرأته تقارب حروف طالق كطالع وطالب وطارق فقال يا طالق ثم قال أردت أن أقول يا طارق أو يا طالع فالتف الحرف بلساني قبل قوله في الظاهر لظهور القرينة ومن صور سبق اللسان ما إذا طهرت من الحيض أو ظن طهرها فأراد أن يقول أنت الآن طاهرة فسبق لسانه فقال أنت الآن طالقة‏.‏

المبرسم والمغمى عليه كالنائم‏.‏

فرع الحاكي لطلاق غيره كقوله قال فلان زوجتي طالق‏.‏

والفقيه إذا كرر لفظ الطلاق في تصويره وتدريسه وتكراره لا طلاق عليه‏.‏

فرع قال أنت طالق عن العمل قال البوشنجي لا يقع الطلاق لا ظاهراً ولا باطناً‏.‏

 فصل الطلاق والعتق ينفذان

الطلاق والعتق ينفذان من الهازل ظاهراً وباطناً فلا تديين فيهما وينفذ أيضاً‏.‏

النكاح والبيع وسائر التصرفات مع الهزل على الأصح‏.‏

وصورة الهزل أن يلاعبها بالطلاق بأن تقول في معرض الدلال والاستهزاء طلقني فقال طلقتك فتطلق لأنه خاطبها قاصداً مختاراً ولم يصرف اللفظ إلى تأويل فلم تدين بخلاف من قال أردت طالق من وثاق‏.‏

 فصل خاطب زوجته بالطلاق

في ظلمة أو حجاب ونحوهما وهو يظنها أجنبية‏.‏

تطلق عند الأصحاب وفيه احتمال للإمام وحكى الغزالي في البسيط أن بعض الوعاظ طلب من الحاضرين شيئاً فلم يعطوه فقال متضجراً منهم طلقتكم ثلاثاً وكانت زوجته فيهم وهو لا يعلم فأفتى إمام الحرمين بوقوع الطلاق قال وفي القلب منه شيء‏.‏

ولك أن تقول ينبغي أن لا تطلق لأن قوله طلقتكم لفظ عام وهو يقبل الاستثناء بالنية كما لو حلف لا يسلم على زيد فسلم على قوم هو فيهم واستثناه بقلبه لم يحنث‏.‏

وإذا لم يعلم أن زوجته في القوم كان مقصوده غيرها‏.‏

قلت هذا الذي قاله إمام الحرمين والرافعي كلاهما عجب منهما أما العجب من الرافعي فلأن هذه المسألة ليست كمسألة السلام على زيد لأنه هناك علم به واستثناه وهنا لم يعلم بها ولم يستثنها واللفظ يقتضي الجميع إلا ما أخرجه ولم يخرجها‏.‏

وأما العجب من الإمام فلأنه تقدم في أول الركن أنه يشترط قصد لفظ الطلاق بمعنى الطلاق ولا يكفي قصد لفظه من غير قصد معناه ومعلوم أن هذا الواعظ لم يقصد معنى الطلاق وأيضاً فقد علم أن مذهب أصحابنا أو جمهورهم أن النساء لا يدخلن في خطاب الرجال إلا بدليل‏.‏

وقوله طلقتكم خطاب رجال فلا تدخل امرأته فيه بغير دليل فينبغي أن لا تطلق لما ذكرته لا لما ذكره الرافعي فهذا ما تقتضيه

فرع نسي أن له زوجة أو زوجه أبوه في صغره أو وكيله في كبره لا يدري فقال زوجتي طالق أو خاطبها بالطلاق طلقت نص عليه الشافعي رحمه الله وهذا في الظاهر‏.‏

وفي نفوذه باطناً وجهان بناهما المتولي على الإبراء عن المجهول إن قلنا لا يصح لم تطلق باطناً فرع إذا لقن كلمة الطلاق بلغة لا يعرفها فقالها وهو لا يعرفها لم يقع طلاقه‏.‏

قال المتولي هذا إذا لم يكن له مع أهل ذلك اللسان اختلاط فإن كان لم يصدق في الحكم ويدين باطناً وإذا لم يقع الطلاق فقال أردت بهذه اللفظة معناها بالعربية لم يقع على الأصح‏.‏

ولو قال لم أعلم أن معناها قطع النكاح ولكن نويت بها الطلاق وقصدت قطع النكاح لم يقع الطلاق كما لو خاطبها بكلمة لا معنى لها وقال أردت الطلاق‏.‏

السبب الثاني الإكراه التصرفات القولية المحمول عليها بالإكراه بغير حق باطلة سواء الردة والبيع وسائر المعاملات والنكاح والطلاق والإعتاق وغيرها وأما ما حمل عليه بحق فهو صحيح فيحصل من هذا أن إسلام المرتد والحربي مع الإكراه صحيح لأنه بحق ولا يصح إسلام الذمي مكرهاً على الأصح والمؤلي بعد مضي المدة إذا أطلق بإكراه القاضي نفذ لأنه بحق أو لأنه ليس بحقيقة إكراه فإنه لا يتعين الطلاق قال المتولي هذا في الطلقة الواحدة وأما إذا أكرهه الإمام على ثلاث طلقات فتلفظ بها فإن قلنا لا ينعزل بالفسق وقعت واحدة ولغت الزيادة‏.‏

وإن قلنا ينعزل لم يقع شيء كما لو أكرهه غيره وثبت التحريم بالرضاع مع الإكراه وفي امتناع القصاص وحد الزنا في حق الرجل بالإكراه خلاف في موضعه‏.‏

 فصل إنما يندفع الطلاق بالإكراه

إذا لم يظهر ما يدل على اختياره‏.‏

فإن ظهر بأن خالف المكره وأتى بغير ما حمله عليه حكم بوقوع الطلاق ولذلك صور منها أن يكرهه على طلقة فيطلق ثلاثاً أو على ثلاث فيطلق واحدة أو على طلاق زوجتين فيطلق إحداهما أو على أن يطلق بصريح فطلق بكناية أو بصريح آخر أو بالعكس أو على تنجيز الطلاق فعلقه أو بالعكس فلا عبرة بالإكراه في كل هذه الصور ويقع ما أتى به‏.‏

ولو أكرهه على طلاق إحدى زوجتيه فطلق واحدة بعينها وقع على المذهب لأنه مختار في تعيينها وحكى المتولي فيه خلافاً ولو أكرهه على طلاق زوجة فطلق زوجتين نظر إن قال له طلق زوجتك حفصة فقال لها ولضرتها عمرة طلقتكما طلقتا لأنه عدل عن كلمة الإكراه‏.‏

وإن قال طلقت حفصة وعمرة أو وطلقت عمرة أو حفصة طالق وعمرة طالق طلقت عمرة ولم تطلق حفصة هكذا فصله البغوي والمتولي وغيرهما ولم يفصل الإمام بين العبارتين بل أطلق عن الأصحاب الحكم بوقوع الطلاق على الضرتين‏.‏

قال وفيه احتمال إذ لا يبعد أن يكون مختاراً في طلاق عمرة‏.‏

فرع الإكراه على تعليق الطلاق يمنع انعقاده كما يمنع نفوذ التنجيز‏.‏

فرع إن ورى المكره بأن قال أردت بقولي طلقت فاطمة غير زوجتي أو نوى الطلاق من وثاق أو قال في نفسه إن شاء الله تعالى لم يقع الطلاق‏.‏

وإذا ادعى التورية صدق ظاهراً في كل ما كان يدين فيه عند الطواعية‏.‏

وإن ترك التورية نظر إن كان غبياً لا يحسن التورية لم يقع طلاقه أيضاً وإن كان عالماً وأصابته دهشة بالإكراه وسل السيف فكذلك‏.‏

وإن لم تصبه دهشة فوجهان‏.‏

أحدهما يقع طلاقه وهو اختيار القفال والغزالي لإشعاره بالاختيار وأصحهما لا لأنه مجبر على اللفظ‏.‏

ولا نية تشعر بالاختيار‏.‏

ولو قصد المكره إيقاع الطلاق فوجهان أحدهما لا يقع لأن اللفظ ساقط بالإكراره والنية لا تعمل وحدها وأصحهما يقع لقصده بلفظه وعلى هذا فصريح لفظ الطلاق عند الإكراه كناية إن نوى وقع وإلا فلا‏.‏

فرع قال طلق زوجتي وإلا قتلتك فطلقها وقع على الصحيح لأنه أبلغ‏.‏

في الإذن وقيل لا يقع لسقوط حكم اللفظ بالإكراه كما لو قال لمجنون طلقها فطلق‏.‏

فرع الوكيل في الطلاق إذا أكره على الطلاق قال أبو العباس الروياني يحتمل أن يقال يقع لحصول اختيار المالك ويحتمل أن لا يقع لأنه المباشر‏.‏

قال وهذا أصح‏.‏

 فصل في بيان الإكراه

يشترط فيه كون المكره غالباً قادراً على تحقيق ما هدده به بولاية أو تغلب وفرط هجوم وكون المكره مغلوباً عاجزاً عن الدفع بفرار أو مقاومة أو استعانة بغيره ويشترط أن يغلب على ظنه أنه إن امتنع مما أكرهه عليه أوقع به المكروه وقال أبو إسحاق المروزي لا إكراه إلا بأن ينال بالضرب والصحيح الذي قطع به الجمهور عدم اشتراط تنجيز الضرب وغيره بل يكفي التوعد‏.‏

وفيما يكون التخويف به إكراهاً سبعة أوجه‏.‏

أحدها القتل فقط حكاه الحناطي والإمام‏.‏

والثاني القتل أو قطع طرف أو ضرب يخاف منه الهلاك قاله أبو إسحاق‏.‏

والثالث قاله ابن أبي هريرة وكثيرون أنه يلحق بما سبق أيضاً الضرب الشديد والحبس وأخذ المال وإتلافه وبهذا قال أبو علي في الإفصاح وزاد عليه فقال لو توعده بنوع استخفاف وكان الرجل وجيهاً يغض ذلك منه فهو إكراه‏.‏

قال هؤلاء فالضرب والحبس والاستخفاف يختلف باختلاف طبقات الناس وأحوالهم‏.‏

والتخويف بالقتل والقطع وأخذ المال لا يختلف‏.‏

وقال الماسرجسي يختلف بأخذ المال فلا يكون تخويف الموسر بأخذ خمسة دراهم منه إكراهاً قال الروياني هذا هو الاختيار فهذه الأوجه هي الموجودة للمتقدمين من العراقيين وغيرهم‏.‏

وأصحها الثالث وصححه الشيخ أبو حامد وابن الصباغ وغيرهما‏.‏

والرابع أن الإكراه لا يحصل إلا إذا خوفه بما يسلب الاختيار ويجعله كالهارب من الأسد الذي يتخطى النار والشوك ولا يبالي فعلى هذا الحبس ليس بإكراه وكذا التخويف بالإيلام الشديد‏.‏

قال الإمام لكن لو فوتح به احتمل جعله إكراهاً‏.‏

والخامس لا يشترط سقوط الاختيار بل إذا أكرهه على فعل يؤثر العاقل الإقدام عليه حذراً مما تهدده به حصل الإكراه‏.‏

فعلى هذا ينظر فيما طلبه منه وما هدده به فقد يكون الشيء إكراهاً في مطلوب دون مطلوب وفي شخص دون شخص‏.‏

فإن كان الإكراه على الطلاق حصل بالقطع وبالتخويف بالحبس الطويل وبتخويف ذوي المروءة بالصفع في الملأ وتسويد الوجه والطوف به في السوق‏.‏

وقيل لا يكون التخويف بالحبس وما بعده إكراهاً وطرد هذا الخلاف في التخويف بقتل الولد والوالد والصحيح في الجميع أنه إكراه‏.‏

والأصح أن التخويف بإتلاف المال ليس إكراهاً على هذا الوجه وإن كان الإكراه على قتل فالتخويف بالحبس وقتل الولد وإتلاف المال ليس إكراهاً‏.‏

وإن كان الإكراه على إتلاف مال فالتخويف بجميع ذلك إكراه وقيل لا يكون التخويف بإتلاف المال إكراهاً في إتلاف المال‏.‏

الوجه السادس أن الإكراه إنما يحصل بالتخويف بعقوبة تتعلق ببدن المكره بحيث لو حققها تعلق به قصاص فيخرج عنه ما لا يتعلق ببدنه كأخذ المال وقتل الوالد والولد والزوجة والضرب الخفيف والحبس المؤبد إلا أن يخوفه بحبس في قعر بئر يغلب منه الموت واختار القاضي حسين الوجه السابع لا يحصل الإكراه إلا بعقوبة شديدة تتعلق ببدنه فيدخل فيه القتل والقطع والضرب الشديد والتجويع والتعطيش والحبس الطويل ويخرج ما خرج عن الوجه السادس ويخرج عنه التخويف بالاستخفاف بإلقاء العمامة والصفع وما يخل بالجاه‏.‏

واستبعد الإمام من هذا الوجه دخول الحبس وخروج قتل الولد وأما التخويف بالنفي عن البلد فإن كان فيه تفريق بينه وبين أهله فكالحبس الدائم وإلا فوجهان‏.‏

أصحهما إكراه لأن مفارقة الوطن شديدة ولهذا جعلت عقوبة للزاني وجعل البغوي التخويف باللواط كالتخويف بإتلاف المال وتسويد الوجه‏.‏

وقال لا يكون ذلك إكراهاً على القتل والقطع‏.‏

وفي كونه إكراهاً في الطلاق والعتاق وإتلاف المال وجهان‏.‏

قلت الأصح من هذا الخلاف المنتشر هو الوجه الخامس لكن في بعض تفصيله المذكور نظر‏.‏

فالاختيار أن يقال الإكراه‏.‏

والله أعلم‏.‏

فرع لا يحصل الإكراه بالتخويف بعقوبة جلة كقوله لأقتلنك غداً ولا بأن يقول طلق امرأتك وإلا قتلت نفسي أو كفرت أو أبطلت صومي أو صلاتي‏.‏

ولا بأن يقول مستحق القصاص طلق امرأتك وإلا اقتصصت منك‏.‏

لو أخذه السلطان الظالم بسبب غيره وطالبه به فقال لا أعرف موضعه أو طالبه بماله فقال لا شيء له عندي فلم يخله حتى يحلف بالطلاق فحلف به كاذباً وقع طلاقه ذكره القفال وغيره لأنه لم يكرهه على الطلاق وإنما توصل بالحلف إلى ترك المطالبة بخلاف ما إذا قال له اللصوص لا نخليك حتى تحلف أن لا تذكر ما جرى فحلف لا يقع طلاقه إذا ذكره لأنهم أكرهوه على الحلف بالطلاق هنا‏.‏

فرع تلفظ بطلاق ثم قال كنت مكرهاً وأنكرت لم يقبل قوله إلا محبوساً أو كان هناك قرينة أخرى‏.‏

ولو قال طلقت وأنا صبي أو نائم فقال أبو العباس الروياني يصدق بيمينه‏.‏

قال ولو طلق في المرض وقال كنت مغشياً علي لم يقبل إلا ببينة على أنه كان زائل العقل في ذلك الوقت‏.‏

قلت هذا الذي قاله في النائم فيه نظر‏.‏

والله أعلم‏.‏

السبب الثالث اختلال العقل فمن طلق وهو زائل العقل بسبب غير متعد فيه كجنون أو إغماء أو أوجر خمراً أو أكره على شربها أو لم يعلم أن المشروب من جنس ما يسكر أو شرب دواءً يزيل العقل بقصد التداوي ونحو ذلك لم يقع طلاقه ولو تعدى بشرب الخمر فسكر أو بشرب دواء يجنن لغير غرض صحيح فزال عقله فطلق وقع طلاقه على المذهب المنصوص في كتب الشافعي رحمه الله‏.‏

وحكي قول قديم فأثبته الأكثرون ومنعه الشيخ أبو حامد‏.‏

وممن قال لا يقع المزني وابن سريج وأبو سهل الصعلوكي وابنه سهل وأبو طاهر الزيادي وقيل لا يقع في شرب الدواء المذكور‏.‏

وإن وقع في السكر‏.‏

واختلفوا في محل الخلاف فالصحيح أن القولين جاريان في أقواله وأفعاله كلها ما له وما عليه وقيل إنهما في أقواله كلها كالطلاق والعتاق والإسلام والردة والبيع والشراء وغيرها‏.‏

وأما أفعاله كالقتل والقطع وغيرهما فكأفعال الصاحي قطعاً لقوة الأفعال وقيل هما في الطلاق والعتاق والجنايات ولا يصح بيعه وشراؤه قطعاً لأن العلم شرط في المعاملات‏.‏

وقيل هما فيما هو له كالنكاح والإسلام أما ما عليه كالطلاق والإقرار والضمان أو له وعليه كالبيع والإجارة فيصح قطعاً تغليظاً عليه‏.‏

فرع اختلفت العبارات في حد السكران فعن الشافعي رحمه الله أنه الذي اختل كلامه المنظوم وقيل الذي يفصح بما كان يحتشم منه وقيل الذي يتمايل في مشيته ويهذي في كلامه وقيل الذي لا يعلم ما يقول وعن ابن سريج وهو الأقرب أن الرجوع فيه إلى العادة‏.‏

فإذا انتهى تغيره إلى حاله يقع عليه اسم السكر فهو المراد بالسكران‏.‏

ولم يرض الإمام هذه العبارات‏.‏

قال ولكن شارب الخمر تعتريه ثلاثة أحوال‏.‏

إحداهما هزة ونشاط يأخذه إذا دبت الخمرة فيه ولم تستول بعد عليه ولا يزول العقل في هذه الحالة وربما احتد‏.‏

والثانية نهاية السكر وهو أن يصير طافحاً ويسقط كالمغشي عليه لا يتكلم ولا يكاد يتحرك‏.‏

والثالثة حالة متوسطة بينهما‏.‏

وهي أن تختلط أحواله فلا تنتظم أقواله وأفعاله ويبقى تمييز وفهم كلام فهذه الثالثة سكر‏.‏

وفي نفود الطلاق فيها الخلاف المذكور‏.‏

وأما الحالة الأولى فينفذ طلاقه فيها بلا خلاف لبقاء العقل وانتظام القصد والكلام‏.‏

وأما الحالة الثانية فالأصح عند الإمام والغزالي أنه لا ينفذ طلاقه إذ لا قصد له ولفظه كلفظ النائم ومن الأصحاب من جعله على الخلاف لتعديه بالتسبب إلى هذه الحالة وهذا أوفق لإطلاق الأكثرين‏.‏

الركن الرابع المحل وهو المرأة فإن أضاف إلى كلها فقال طلقتك فذاك‏.‏

وكذا لو قال جسمك أو جسدك أو شخصك أو نفسك أو جثتك أو ذاتك طالق طلقت‏.‏

ولو أضاف إلى بعضها شائعاً طلقت أيضاً سواء أبهم فقال بعضك أو جزءك طالق أو نص على جزء معلوم كالنصف والربع واحتجوا لذلك بالإجماع وبالقياس على العتق فقد ورد فيه ‏"‏ من أعتق شقصاً ‏"‏‏.‏

ولو أضاف إلى عوض معين طلقت سواء كان عضواً باطناً كالكبد والقلب والطحال أو ظاهراً كاليد سواء كان مما يفصل في الحياًة كالشعر والظفر أم لا كالإصبع والإصبع الزائدة كالأصلية

وحكى الحناطي قولاً ضعيفاً في الشعر كما لا ينقض الوضوء ولا شك في اطراده في السن والظفر‏.‏

قلت بينهما فرق ظاهر فإن اتصال السن آكد من الشعر‏.‏

وأما اشتراكهما في نقض الوضوء وعدمه فلعدم الإحساس ولأنهما جزءان فأشبها اليد‏.‏

والله أعلم‏.‏

وإن أضاف إلى فضلات البدن كالريق والعرق والمخاط والبول أو إلى الأخلاط كالبلغم والمرتين لم تطلق على الصحيح‏.‏

وحكى الحناطي والإمام وجهاً وإن أضاف إلى اللبن والمني لم تطلق على الأصح لأنهما متهيئان للخروج كالبول‏.‏

ولو قال جنينك طالق لم تطلق على المذهب‏.‏

ونقل الإمام فيه الاتفاق وحكى أبو الفرج الزاز فيه وجهين وأبعد منه وجهاً ن حكاهما الحناطي في قوله الماء أو الطعام الذي في جوفك طالق‏.‏

ولو أضاف إلى معنى قائم بالذات كالسمن والحسن والقبح والملاحة والسمع والبصر والكلام والضحك والبكاء والغم والفرح والحركة والسكون لم تطلق وحكى الحناطي وجهاً في الحسن والحركة والسكون والسمع والبصر والكلام وهذا شاذ ضعيف ثم الوجه التسوية بينهما وبين سائر الصفات‏.‏

ولو قال ظلك أو طريقك أو صحبتك أو نفسك بفتح الفاء أو اسمك طالق لم تطلق قال المتولي إلا أن يريد بالاسم ذاتها ووجودها فتطلق‏.‏

ولو قال روحك طالق طلقت على المذهب‏.‏

وحكى أبو الفرج الزاز فيه خلافاً مبنياً على أن الروح جسم أو عرض‏.‏

ولو قال حياًتك طالق فقال جماعة منهم الإمام والغزالي تطلق‏.‏

وقال البغوي إن أراد الروح طلقت وهذا فيه إشعار بأنه إن أراد المعنى القائم بالحي لا تطلق كسائر المعاني وبهذا قطع أبو الفرج الزاز ويشبه أن يكون الأصح عدم الوقوع‏.‏

فرع إذا أضاف الطلاق إلى جزء أو عضو معين ففي كيفية وقوع الطلاق وجهان‏.‏

أحدهما يقع على المضاف إليه ثم يسري إلى باقي البدن كما يسري العتق‏.‏

والثاني يجعل المضاف إليه عبارة عن الجملة لأنه لا يتصور الطلاق في المضاف إليه وحده بخلاف العتق ولأنه لو قال أنت طالق نصف طلقة جعل ذلك عبارة عن طلقة‏.‏

ولا يقال يقع نصف طلقة ثم يسري ويشبه أن يكون الأول هو الأصح‏.‏

وتظهر فائدة الخلاف في صور‏.‏

منها إذا قال إن دخلت الدار فيمينك طالق فقطعت يمينها ثم دخلت إن قلنا بالثاني طلقت وإلا فلا ولو قال لمن لا يمين لها يمينك طالق فطريقان‏.‏

أحدهما التخريج على هذا الخلاف‏.‏

وأصحهما القطع بعدم الطلاق‏.‏

وبه قال القاضي حسين والإمام لأنه وإن جعل البعض عبارة عن الكل فلا بد من وجود المضاف إليه لتنتظم الإضافة‏.‏

فإذا لم يكن لغت الإضافة كما لو قال لها لحيتك أو ذكرك طالق‏.‏

قال الإمام وهذا يجب أن يكون متفقاً عليه ومنها قال المتولي القول بعدم الطلاق في قوله حسنك أو بياضك طالق مبني على القول بالسراية لأنه لا يمكن وقوع الطلاق على الصفات‏.‏

أما إذا جعلنا البعض عبارة عن الجملة فيجعل الصفة عبارة عن الموصوف‏.‏

قلت هذا الذي قاله ضعيف مخالف للدليل ولإطلاق الأصحاب‏.‏

والله أعلم‏.‏

ومنها لو قال لأمته يدك أم ولدي أو قال لطفل التقطه يدك ابني قال المتولي إن جعلنا البعض عبارة عن الجملة كان إقراراً بالاستيلاد أو النسب وإلا فلا‏.‏

لو أضاف العتق إلى يد عبده أو رأسه ففيه الوجهان وإن أضافه إلى جزء شائع قال الإمام المذهب تقدم السراية لأن العبد يمكن تبعيض العتق فيه ووقوعه عليه بخلاف الطلاق‏.‏

وقيل فيه الوجهان لأن إعتاقه بعض عبده غير متصور‏.‏

قلت يتصور فيما إذا أعتق عبده المرهون وهو موسر بقيمة بعضه وقلنا بالأظهر إنه ينفذ عتق الموسر والله أعلم‏.‏

فرع لو أشار إلى عضو مبان ووصفه بالطلاق لم تطلق ولو فصلت أذنها ثم ألصقت فالتحمت أو سقطت شعرة ثم ثبتت في موضع آخر ونمت فأضاف الطلاق إليها لم تطلق المرأة على الأصح‏.‏

قلت قوله في موضع آخر اتبع فيه الغزالي وليس هو شرطاً فلو نبتت في موضعها كان كذلك ثم إن مسألة الشعرة قل أن توجد في غير الوسيط بخلاف مسألة الاذن فإنها مشهورة بالوجهين لكن أنكر إمام الحرمين تصورها في العادة ولا امتناع في ذلك‏.‏

والله أعلم‏.‏

 فصل قال لزوجته أنا منك طالق

ونوى إيقاع الطلاق عليها طلقت وإن لم ينو إيقاعه عليها فالصحيح الذي قطع به الجمهور أنها لا تطلق وقيل تطلق قاله أبو إسحاق واختاره القاضي حسين فعلى هذا لا بد من نية أصل الطلاق لأن اللفظ كناية لكونه أضيف إلى غير محله‏.‏

وأما على الأول فمتى نوى إيقاعه عليها كان ناوياً أصل الطلاق‏.‏

ولو جرد القصد إلى تطليق نفسه ولم يقتصر على نية أصل الطلاق فالمذهب أنه لا يقع قطعاً وقيل على الوجهين‏.‏

ولو قال أنا منك بائن فلا بد من نية أصل الطلاق‏.‏

وفي نية الإضافة إليها الوجهان‏.‏

وإذا نواها وقع وهكذا حكم سائر الكنايات كقوله أنا منك خلي أو بري‏.‏

ولو قال استبريء رحمي منك أو أنا معتد منك أو مستبرىء رحمي ونوى تطليقها لم تطلق على الأصح‏.‏

فرع قال لعبده أنا منك حر أو أعتقت نفسي منك ونوى إعتاق العبد لم يعتق على الأصح بخلاف الزوجية فإنها تشمل الجانبين والرق مختص بالعبد‏.‏

فرع قال لزوجته طلقي نفسك فقالت طلقتك أو أنت طالق فهو كقوله لها أنا منك طالق وكذا إذا الركن الخامس الولاية على المحل فلو قال لمطلقته الرجعية في عدتها أنت طالق طلقت‏.‏

والمختلعة لا يلحقها طلاقه لا في عدتها ولا بعدها ولو قال لأجنبية إذا نكحتك فأنت طالق أو قال كل امرأة أنكحها فهي طالق فنكح لم يقع الطلاق على المذهب وبه قطع الجمهور وهو الموجود في كتب الشافعي رحمه الله تعالى‏.‏

وقيل في الوقوع قولان حكاهما الحناطي والسرخسي وغيرهما وتعليق العتق بالملك كتعليق الطلاق بالنكاح بلا فرق‏.‏

ولو قال لله علي أن أعتق هذا العبد وهو لأجنبي فهو لغو‏.‏

ولو قال لله علي أن أعتقه إن ملكته فوجهان لأنه التزام في الذمة لكن متعلق بملك غيره‏.‏

وأجرى الوجهان في قوله إذا ملكت عبد فلان فقد أوصيت به لزيد‏.‏

ولو أرسل الوصية وهو لا يملك شيئاً صحت على الصحيح كالنذر‏.‏

وحكى الشيخ أبو علي وجهاً أنها لا تصح‏.‏

فرع لو علق العبد الطلقة الثالثة إما مطلقاً بأن قال إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثاً فعتق ثم دخلت الدار وإما مقيد بحالة ملك الثالثة بأن قال إذا عتقت فأنت طالق ثلاثاً ففي صحة تعليق الثالثة وجهاً ن أصحهما الصحة وبه قطع البغوي ويحكم بموجبه لأنه يملك أصل النكاح وهو يفيد الطلقات الثلاث بشرط الحرية وقد وجد كما أنه لا يملك في حال البدعة طلاق السنة ويملك تعليقه‏.‏

ويجري الوجهان في قوله لأمته إذا ولدت فولدك حر وكانت حائلاً عند التعليق‏.‏

فإن كانت حاملاً حينئذ عتق قطعاً‏.‏

 فصل علق طلاقها بصفة كدخول الدار

ثم أبانها قبل الدخول أو بعده بعوض أو بالثلاث ووجدت الصفة في حال البينونة ثم نكحها ثم وجدت الصفة ثانياً أو ارتد قبل الدخول ثم وجدت الصفة ثم أسلم ونكحها فوجدت الصفة ثانياً لم تطلق على المذهب وبه قطع الأصحاب‏.‏

وقال الاصطخري فيه قولان‏.‏

كما لو لم توجد الصفة حال البينونة ولو علق عتق عبده بصفة ثم أزال ملكه ثم وجدت الصفة ثم اشتراه لم يؤثر وجود الصفة بعد ذلك على المذهب هذا إذا لم يكن التعليق بصيغة كلما فإن كان بها كقوله كلما دخلت فأنت طالق فإذا وجدت الصفة في البينونة ثم جدد نكاحها ففي عود الصفة القولان‏.‏

أما إذا لم توجد الصفة حال البينونة ثم وجدت بعدما جدد نكاحها ففي وقوع الطلاق ثلاثة أقوال أظهرها لا يقع والثاني يقع والثالث إن كانت البينونة بما دون الثلاث وقع وإلا فلا وتجري الأقوال في عود الإيلاء والظهار‏.‏

فإذا قلنا بالأول وكانت الصفة مما لا يمكن إيقاعه في البينونة كقوله إن وطئتك فأنت طالق ثلاثاً تخلص منها إذا أبانها ثم نكحها ولا يقع الطلاق بالوطء في النكاح الثاني وبه أجاب القاضي الروياني ويوضحه أنه لو قال إذا بنت مني ونكحتك ودخلت الدار فأنت طالق أو قال إن دخلت الدار بعدما بنت مني ونكحتك فأنت طالق فالمذهب وبه قال القفال والمعتبرون لا تطلق الدخول بعد البينونة وغلطوا من خرجه على الخلاف وعلى هذا القياس‏.‏

فلو قال إن دخلت الدار قبل أن أبينك فأنت طالق وإن دخلتها بعدما أبنتك ونكحتك فأنت طالق صح التعليق الأول وبطل الثاني ولو علق على صفة ثم طلقها رجعية فراجعها ثم وجدت الصفة طلقت بلا خلاف لأنه ليس نكاحاً مجدداً ولم تحدث حالة تمنع وقوع الطلاق‏.‏

ولو علق عتق عبد بصفة ثم أزال ملكه ببيع أو غيره ثم ملكه ثم وجدت الصفة ففي نفوذ العتق الخلاف في عود اليمين‏.‏

ثم قيل هو كالإبانة بالثلاث لأن العائد ملك جديد من كل وجه لا تعلق له بالأول كالنكاح بعد الثلاث‏.‏

وقيل هو كالإبانة بما دون الثلاث وبه قطع البغوي لأنه لم يتخلل بين التعليق والصفة حالة تمنع ملكه كما لو لم يتخلل هناك حالة تمنع نكاحه وإنما يكون كالإبانة بالثلاث إذا علق ذمي عتق عبده الذمي ثم أعتقه فنقض العهد والتحق بدار الحرب ثم سبي واسترق فملكه سيده الأول لأنه تخلل حالة يمتنع فيها الملك وهي حالة الحرب‏.‏

الخلاف في وقوع الطلاق في النكاح الثاني يعبر عنه بالخلاف في عود الحنث وبالخلاف في عود اليمين لأن على قول لا يتناول اليمين النكاح الثاني ولا يحصل الحنث فيه‏.‏

وعلى قول يتناوله ويحصل الحنث‏.‏

فرع لا يقع الطلاق في النكاح الفاسد‏.‏

 فصل إذا راجع الرجعية

أو بانت منه هي أو غيرها بطلقة أو طلقتين ثم جدد نكاحها قبل أن تنكح غيره أو بعد نكاح ووطء الزوج الثاني عادت إليه بما بقي من الطلقات الثلاث‏.‏

ولو بانت بالثلاث فنكحها آخر ووطئها وفارقها فنكحها الأول عادت إليه بالثلاث لأنه لا يمكن بناء الثاني على الأول لاستغراق الأول‏.‏

 فصل الحر يملك ثلاث طلقات على زوجته الحرة

والأمة والعبد لا يملك إلا طلقتين على الحرة والأمة والمدبر والمكاتب ومن بعضه حر كالقن‏.‏

ومتى طلق الحر أو العبد جميع ما يملك لم تحل له المطلقة فرع طلق ذمي زوجته طلقة ثم نقض العهد فسبي واسترق ونكح بإذن سيده تلك المرأة المطلقة ملك عليها طلقة فقط ولو كان طلقها طلقتين وأراد نكاحها بعد الاسترقاق فوجهان‏.‏

أصحهما وبه قال ابن الحداد تحل له ويملك عليها طلقة لأنها لم تحرم عليه بالطلقتين فطريان الرق لا يرفع الحل الثابت‏.‏

وقيل لا تحل له لأنه رقيق وقد طلق طلقتين‏.‏

ولو طلق العبد طلقة ثم عتق فراجعها أو جدد نكاحها بعد البينونة ملك عليها طلقتين أخريين لأنه عتق قبل استيفاء عدد الرقيق‏.‏

ولو طلقها طلقتين ثم عتق لم تحل له على الصحيح‏.‏

فرع طلق العبد زوجته طلقتين وأعتقه سيده فقد ذكرنا أنه إن عتق أولاً فله رجعتها وتجديد نكاحها وإن طلق أولاً فلا تحل له إلا بمحلل‏.‏

فلو أشكل السابق واعترف الزوجان بالاشكال قال ابن الحداد والأكثرون ليس له رجعتها ولا نكاحها إلا بمحلل‏.‏

وقيل تحل رجعتها والتجديد إن بانت ولا يفتقر إلى محلل لأن الأصل أن لا ولو اختلفا في السابق نظر إن اتفقا على وقت الطلاق كيوم الجمعة وقال عتقت يوم الخميس وقالت بل يوم السبت فالقول قولها وإن اتفقا أن العتق يوم الجمعة وقالت طلقت يوم السبت فقال بل يوم الخميس فالقول قوله‏.‏

وإن لم يتفقا على وقت أحدهما وقال طلقتك بعد العتق وقالت قبله واقتصر عليه فالقول قوله لأنه أعرف بوقت الطلاق‏.‏

فرع سبق في التحليل لو قالت المطلقة ثلاثاً نكحني زوج وأصابني وانقضت عدتي منه ولم يظن صدقها لأن الأولى أن لا ينكحها‏.‏

وهل يجب عليه البحث عن الحال قال أبو إسحاق لا يجب لكن يستحب‏.‏

وقال الروياني أنا أقول يجب في هذا الزمان‏.‏

 فصل طلاق المريض في الوقوع كطلاق الصحيح

ثم إن كان رجعياً بقي التوارث بينهما ما لم تنقض عدتها‏.‏

فإن مات أحدهما قبل انقضاء عدتها ورثه الآخر وبعد انقضائها لا يرثه‏.‏

ولو طلقها في مرض موته طلاقاً بائناً ففي كونه قاطعاً للميراث قولان‏.‏

الجديد يقطع وهو الأظهر القديم لا يقطع وحجة الجديد انقطاع الزوجية ولأنها لو ماتت لم يرثها بالاتفاق‏.‏

فإن قلنا بالجديد فلا إشكال ولا تفريع لوضوح أحكامه‏.‏

وأما القديم فيتفرع عليه مسائل منها هل ترث ما لم تنقض عدتها أم ما لم تتزوج أم أبداً فيه أقوال فإن طلق قبل الدخول سقط القول الأول وجرى الآخراًن‏.‏

ولو أبان في مرضه أربع نسوة ونكح أربعاً ثم مات فهل يكون الإرث للأوليات لسبقهن أم للأخريات لأنهن الزوجات أم يشترك الثمان فيه أوجه أصحها الثالث‏.‏

وقال الإمام وسبب الخلاف ما في توريث الزيادة على الأربع من الاستبعاد‏.‏

فلو أبان امرأته ونكح أخرى فلا وجه إلا توريثهما‏.‏

ولو أبان واحدة ونكح أربعاً أو بالعكس جرى الخلاف وإنما ترث المبتوتة على القديم إذا طلقها لا بسؤالها فإن طلقها بسؤالها أو اختلعت أو قال أنت طالق إن شئت فشاءت لم ترث على الصحيح‏.‏

وقال ابن أبي هريرة ترث وإن طلق بسؤالها‏.‏

ولو سألته فلم تطلق في الحال ثم طلقها أو سألته رجعياً فأبانها ورثت لأنه فار‏.‏

ولو علق طلاقها في المرض بمضي مدة أو فعل نفسه أو أجنبي فهو فار وفي الأجنبي وجه‏.‏

وإن علق بفعلها فإن لم يكن لها منه بد كالنوم والقيام والقعود والأكل والشرب والطهارة والصلاة والصوم المفروضين ففار‏.‏

قلت وهذا في الأكل الذي يحتاج إليه فإن أكلت متلذذة أكلاً يضرها فليس بفار‏.‏

قاله الإمام والله وإن كان لها منه بد ففار إن لم تعلم التعليق وإلا فلا‏.‏

ولو علمت ثم نسيت ففيه احتمالان للإمام والأشبه أنه فار‏.‏

وإن علق طلاقها في الصحة بصفة لا توجد إلا في المرض كقوله إذا مرضت مرض الموت أو وقعت في النزع فأنت طالق ففار وإن احتمل وجودها في المرض وقبله كقوله إذا جاء غد أو قدم زيد فأنت طالق فجاء أو قدم وهو مريض فليس بفار على الأظهر‏.‏

ولو فسخ النكاح بعينها أو لاعنها فليس بفار‏.‏

وقيل إن كان القذف في المرض ففار‏.‏

قلت وقيل إن الفاسخ فار‏.‏

والله أعلم‏.‏

ولو طلق العبد امرأته أو الحر زوجته الأمة أو المسلم ذمية ثم عتق العبد أو الأمة أو أسلمت الذمية في العدة فلا إرث لأنها لم تكن وارثة يوم الطلاق فلا تهمة‏.‏

وكذا لو أبانها في مرضه بعدما ارتد أو ارتدت ثم جمعهما الإسلام في العدة لأنها لم تكن وارثة يومئذ‏.‏

ولو ارتدت بعدما أبانها في المرض ثم عادت إلى الإسلام فهو فار للتهمة‏.‏

ولو قال لزوجته الأمة أنت طالق غداً فعتقت قبل الغد أو طلقها وهو لا يعلم أنها عتقت فليس بفار وكذا لو ارتد في المرض قبل الدخول أو بعده وأصر إلى انقضاء العدة ثم عاد إلى الإسلام ومات لم يكن فاراً على الصحيح لأنه لا يقصد بتبديل الدين حرمانها الإرث وفيه وجه ضعيف ولو أبان مسلمة في المرض وارتدت وعادت إلى الإسلام في العدة ورثت لأنها بصفة الوارثين يومي الطلاق والموت وكذا لو عادت بعد العدة إن قلنا المبتوتة ترث بعد انقضاء العدة‏.‏

ولو طلق الأمة في المرض وعتقت واختلفا فقالت طلقني بعد العتق فأرث وقال الوارث بل قبله فلا إرث فالقول قول الوارث بيمينه لأن الأصل بقاء الرق ولو أرضعت ز وجهاً الصغير في المرض موتها فقيل تجعل فارة فيرثها الزوج والصحيح خلافه‏.‏

ولو أقر في مرض بأنه أبانها في الصحة لم يجعل فاراً ويصدق فيما قاله وتحسب العدة من يومئذ وفيه وجه للتهمة والصحيح الأول‏.‏

ولو طلق إحدى امرأتيه ثم مرض مرض الموت فقال عنيت هذه قبل قوله ولم ترث‏.‏

وإن كان قد أبهم فعين في المرض واحدة قال إسماعيل البوشنجي يخرج على أن التعيين إيقاع للطلاق في المعينة أم بيان لمحل الطلاق الواقع إن قلنا بالثاني لم ترث‏.‏

وإلا فعلى قولي توريث المبتوتة‏.‏

قلت إنما ترث المبتوتة على القديم إذا أنشأ تنجيز طلاق زوجته الوارثة بغير رضاها في مرض مخوف واتصل به الموت ومات بسببه‏.‏

فإن برأ من ذلك المرض ثم مات لم ترث قطعاً ولو مات بسبب آخر أو قتل في ذلك المرض فقطع صاحب المهذب وغيره بأنها لا ترث على القديم‏.‏

وقال صاحب الشامل و التتمة ترث‏.‏

والله أعلم‏.‏

فيه أطراف‏.‏

الطرف الأول في نية العدد فإذا قال طلقتك أو أنت طالق ونوى طلقتين أو ثلاثاً وقع ما نوى وكذا حكم الكناية‏.‏

قلت وسواء في هذا المدخول بها وغيرها‏.‏

والله أعلم‏.‏

ولو قال أنت طالق واحدة بالنصب ونوى طلقتين أو ثلاثاً فثلاثة أوجه‏.‏

أصحها يقع ما نوى صححه البغوي وغيره‏.‏

والثاني لا يقع إلا واحدة وصححه الغزالي‏.‏

والثالث قاله القفال إن بسط نية الثلاث على جميع اللفظ لم تقع الثلاث‏.‏

وإن نوى الثلاث بقوله أنت طالق وقع الثلاث ولغا ذكر واحدة‏.‏

وإن قال أردت طلقة ملفقة من أجزاء ثلاث طلقات وقع الثلاث قطعاً‏.‏

وحكى الإمام طرد وجه فيه لبعد اللفظ والفهم والمذهب الأول‏.‏

ولو قال أنت طالق واحدة بالرفع فهو مبني على ما إذا قال أنت واحدة بحذف لفظ الطلاق ونوى الثلاث وفيه وجهان‏.‏

أصحهما وقوع ما نواه‏.‏

والثاني تقع واحدة فقط‏.‏

فرع قال البغوي ولو قال أنت بائن باثنتين أو ثلاث ونوى الطلاق ثم إن نوى طلقتين أو ثلاثاً فذاك وإن لم ينو شيئاً وقع الملفوظ به لأن ما أتى به صريح في العدد كناية في الطلاق‏.‏

فإذا نوى أصل الطلاق وقع العدد المصرح به‏.‏

وإن نوى واحدة فوجهان‏.‏

أحدهما يقع ما صرح به من طلقتين أو ثلاث‏.‏

والثاني لا يقع إلا واحدة‏.‏

فرع أراد أن يقول لها أنت طالق ثلاثاً فماتت قبل تمام قوله‏.‏

أنت طالق لم يقع الطلاق وإن ماتت بعد تمامه قبل قوله ثلاثاً فهل يقع الثلاث أم واحدة أم لا يقع شيء ثلاثة أوجه قال البغوي أصحها الأول وهو اختيار المزني‏.‏

وقال إسماعيل البوشنجي الذي تقتضيه الفتوى أنه إن نوى الثلاث بقوله أنت طالق وكان قصده أن يحققه باللفظ وقع الثلاث وإلا فواحدة وهكذا قال المتولي في تعبيره عن الوجه الأول‏.‏

وردتها وإسلامها إذا لم تكن مدخولاً بها قبل قوله ثلاثاً كموتها وكذا لو أخذ شخص على فمه ومنعه أن يقول ثلاثاً‏.‏

ولو قال أنت طالق على عزم الاقتصار عليه فماتت فقال ثلاثاً قال الإمام لا شك أن الثلاث لا فرع اختلفوا في قوله أنت طالق ثلاثاً كيف سبيله فقيل قوله ثلاثاً‏.‏

منصوب بالتفسير والتمييز‏.‏

قال الإمام هذا جهل بالعربية وإنما هو صفة لمصدر محذوف أي طالق طلاقاً ثلاثاً‏.‏

كقوله ضربت زيداً شديداً أي ضرباً شديداً‏.‏

 فصل قال أنت طالق ملء البيت

أو البلد أو السماء أو الأرض أو مثل الجبل أو أعظم من الجبل أو أكبر الطلاق بالباء الموحدة أو أعظمه أو أشده أو أطوله أو أعرضه أو طلقة كبيرة أو عظيمة لم يقع باللفظ إلا طلقة رجعية‏.‏

ولو قال أنت طالق كل الطلاق أو أكثره وقع الثلاث‏.‏

ولو قال عدد التراب قال الإمام تقع واحدة وقال البغوي عندي يقع الثلاث كما لو قال عدد أنواع التراب‏.‏

ولو قال أنت طالق وزن درهم أو درهمين أو ثلاثة أو أحد عشر درهماً‏.‏

ولم ينو عدداً لم يقع إلا طلقة‏.‏

ولو قال يا مائة طالق أو أنت مائة طالق نقل البغوي والمتولي أنه يقع الثلاث لأنه في العرف كقوله أنت طالق مائة‏.‏

ولو قال أنت كمائة طالق فهل تقع واحدة أم ثلاث وجهان‏.‏

ولو قال أنت طالق طلقة واحدة ألف فرع قال أنت طالق إن لم أو أنت طالق إن قال إسماعيل البوشنجي ينظر إن قصد الاستثناء أو التعليق فلم يتمه فلا أرى أن يقع طلاقه ويصدق إذا فسر به للقرينة الظاهرة وإن لم يقصد الاستثناء ولا التعليق وقع لأنه لو أتى بالاستثناء بلا نية لم يقع فهنا أولى‏.‏

الطرف الثاني في التكرار فيه مسائل إحداًها قال لمدخول بها أنت طالق أنت طالق نظر إن سكت بينهما سكتة فوق سكتة التنفس ونحوه وقع طلقتان فإن قال أردت التأكيد لم يقبل ظاهراً ويدين وإن لم يسكت وقصد التأكيد قبل ولم يقع إلا طلقة وإن قصد الاستئناف وقع طلقتان وكذا إن أطلق على الأظهر‏.‏

ولو قال أنت طالق طالق فقال القاضي حسين يقع عند الإطلاق طلقة قطعاً وقال الجمهور لا فرق بين اللفظين‏.‏

ولو كرر اللفظة ثلاثاً وأراد بالآخرتين تأكيد الأولى لم يقع إلا واحدة وإن أراد الاستئناف وقع الثلاث وإن أطلق فكذا على الأظهر‏.‏

ولو قال قصدت بالثالثة تأكيد الثانية وبالثانية تأكيد الأولى وبالثالثة الاستئناف وقع طلقتان‏.‏

ولو قصد بالثالثة تأكيد الأولى وقع الثلاث على الأصح وقيل طلقتان ولا يقدح هذا الفصل اليسير‏.‏

وإن قصد بالثانية الاستئناف ولم يقصد بالثالثة شيئاً أو بالثالثة الاستئناف ولم يقصد بالثانية شيئاً وقع الثلاث على الأظهر وفي قول طلقتان‏.‏

ولو قال أنت مطلقة أنت مسرحة أنت مفارقة فهو كقوله أنت طالق أنت طالق أنت طالق على الأصح‏.‏

وقيل تقع هنا الثلاث قطعاً حكاه الحناطي‏.‏

ولو قال أنت طالق وطالق وطالق وقال قصدت بالثاني تأكيد الأول لم يقبل في الظاهر ويجوز أن يقصد بالثالث تأكيد الثاني لتساويهما ويجوز أن يقصد به الاستئناف وإن أطلق فعلى القولين

ولو قال قصدت بالثالث تأكيد الأول لم يقبل‏.‏

ولو قال أنت طالق وأنت طالق أو أنت طالق بل طالق أو أنت طالق ثم طالق أو أنت طالق بل طالق بل طالق فهو كقوله طالق وطالق وطالق‏.‏

ولو قال أنت طالق فطالق فطالق أو أنت طالق ثم طالق ثم طالق فهو كقوله طالق وطالق وطالق‏.‏

ولو قال أنت طالق وطالق فطالق أو أنت طالق ثم طالق بل طالق أو أنت طالق فطالق ثم طالق تعين الثلاث ولا مدخل للتأكيد لاختلاف الألفاظ‏.‏

ونص في الإملاء أنه لو قال طالق وطالق لا بل طالق‏.‏

وقال شككت في الثانية فاستدركت بقولي لا بل طالق لأحقق إيقاع الثانية قبل ولم يقع إلا طلقتان فجعل الأصحاب المسألة على قولين أحدهما هذا والثاني وهو المشهور وظاهر نصه في المختصر لا يقبل ويقع الثلاث كسائر الألفاًظ المتغايرة‏.‏

ولو قال أنت طالق وطالق بل طالق من غير لفظ لا فالمذهب وقوع الثلاث قطعاً كما سبق وقيل بطرد القولين‏.‏

فرع قال لها قبل الدخول أنت طالق طالق أو أنت طالق وطالق فطالق أو أنت طالق أنت طالق أنت طالق أو أنت طالق بل طالق وطالق‏.‏

لم يقع إلا طلقة لأنها تبين بها فلا يقع ما بعدها‏.‏

وحكي وجه وقول قديم أنه كما لو قال ذلك لمدخول بها على ما سبق لأنه كلام واحد فأشبه قوله لها أنت طالق ثلاثاً والمذهب الأول لأن قوله ثلاثاً بيان للأول بخلاف هذه الألفاًظ‏.‏

فرع قال لمدخول بها إن دخلت الدار فأنت طالق وطالق وطالق أو أنت طالق وطالق وطالق إن دخلت الدار فدخلت وقع الثلاث وإن قاله لغير المدخول بها فثلاثة أوجه أصحها تقع الثلاث أيضاً إذا دخلت‏.‏

والثاني لا يقع إلا واحدة‏.‏

والثالث إن قدم الجزاء فقال أنت طالق وطالق وطالق إن دخلت الدار‏.‏

وقع الثلاث‏.‏

وإن عكس فواحدة‏.‏

وإن قال إن دخلت الدار فأنت طالق إن دخلت الدار فأنت طالق إن دخلت الدار فأنت طالق فدخلت فإن قصد التأكيد وقع طلقة‏.‏

وإن قصد الاستئناف وقع الثلاث‏.‏

وإن أطلق فعلى أيهما يحمل قال البغوي فيه قولان بناء على ما لو حنث في أيمان بفعل واحد هل تتعدد الكفارة وقال المتولي يحمل على التأكيد إذا لم يحصل فصل أو حصل واتحد المجلس‏.‏

فإن اختلف فعلى أيهما يحمل وجهان‏.‏

وإذا حمل على التأكيد فيقع عند الدخول طلقة أم يتعدد وجهاً ن بناء على تعدد الكفارة وعدمه‏.‏

ولو قال إن دخلت الدار فأنت طالق طلقة وإن دخلت الدار فأنت طالق طلقتين قال ابن الحداد والأصحاب تطلق بالدخول ثلاثاً سواء كان مدخولاً بها أم غيرها لأن الجميع يقع دفعة‏.‏

قال البغوي وكذا في الصور المتقدمة لا فرق بين المدخول بها وغيرها لأن على تقدير التعدد يقع الجميع حال الدخول‏.‏

ولو قال إن دخلت الدار فأنت طالق ثم طالق لم يقع بالدخول في غير المدخول بها إلا طلقة لأن ثم للتراخي‏.‏

قال المتولي وكذا لو أخر الشرط فقال أنت طالق ثم طالق إن دخلت الدار‏.‏

المسألة الثانية قال أنت طالق طلقة فطلقة أو طالق فطالق وقع طلقتان على المذهب وقيل قولان

ولو قال طلقة بل طلقتين وقع الثلاث فإن كانت غير مدخول بها بانت بالأولى ولم تقع الزيادة في الصورتين‏.‏

المسألة الثالثة قال لمدخول بها أنت طالق طلقة معها طلقة أو مع طلقة وقع طلقتان وهل يقعان معاً بتمام الكلام أم متعاقبين وجهان‏.‏

أصحهما الأول‏.‏

فإن قال ذلك لغير المدخول بها طلقت على الأول طلقتين وعلى الثاني طلقة‏.‏

ولو قال طلقة تحت طلقة أو تحتها طلقة أو فوق طلقة أو فوقها طلقة فقال الإمام والغزالي حكمها حكم مع وقال المتولي كلاماً يقتضي الجزم بأن غير المدخول بها لا يقع عليها إلا طلقة لأن وصف الطلاق بالفوقية والتحتية محال فيلغو ويصير كقوله طالق طالق وفي المدخول بها وجه أنه لا يقع إلا واحدة كما لا يلزم في الإقرار إلا درهم واختاره ابن كج والحناطي‏.‏

ولو قال لمدخول بها أنت طالق طلقة قبل طلقة أو بعدها طلقة وقع طلقتان‏.‏

إحداًهما بعد الأخرى‏.‏

ولو كانت غير مدخول بها وقعت واحدة وبانت‏.‏

ولو قال لمدخول بها أنت طالق طلقة بعد طلقة أو قبلها طلقة وقع طلقتان متعاقبتان على الصحيح الذي قطع به الجمهور‏.‏

وفي كتاب ابن كج وجه أنه لا يقع إلا واحدة لاحتمال أن يكون المعنى قبلها طلقة مملوكة أو ثابتة قال وهذا عند الاطلاق ولو قال أردت ذلك صدق بيمينه لا محالة‏.‏

فإذا قلنا بالصحيح ففي كيفية تعاقبهما وجهان أحدهما تقع أولاً المنجزة ثم المضمنة ويلغو قوله قبلها كما لو قال أنت طالق أمس يقع في الحال ويلغو قوله أمس‏.‏

وأصحهما تقع أولاً المضمنة ثم المنجزة لأن المعنى يقتضي ذلك وليس المراد أن المضمنة تقع قبل تمام اللفظ بل يقعان بعد تمام اللفظ فتقع المضمنة عقب اللفظ ثم المنجزة في لحظة عقبها‏.‏

فإن قال ذلك لغير المدخول بها فأوجه‏.‏

أصحها يقع واحدة‏.‏

والثاني لا يقع شيء والثالث يقع طلقتان ويلغو قوله قبلها ويصير كأنه قال طلقتين وهو ضعيف ولو قال للمدخول بها أنت طالق طلقة قبلها طلقة وبعدها طلقة طلقت ثلاثاً‏.‏

ولو قال قبلها وبعدها طلقة وقع الثلاث على الصحيح‏.‏

وقيل طلقتان ويلغو قوله قبلها‏.‏

ولو خاطب غير المدخول بها بأحد هذين اللفظين فهل يقع واحدة أم لا يقع شيء وجهان أصحهما الأول‏.‏

ومتى قال أردت بقولي بعدها طلقة أي سأطلقها بعد هذا طلقة لم يقبل ظاهراً ويدين ولو قال أردت بقولي قبلها أن زوجاً آخر طلقها في نكاح آخر فعلى ما سيأتي إن شاء الله تعالى فيما إذا قال أنت طالق في الشهر الماضي وفسر بهذا‏.‏

المسألة الرابعة قال لمدخول بها أنت طالق وطالق وقع طلقتان على الترتيب‏.‏

ولو قال أنت طالق ثلاثاً فالصحيح وقوع ثلاث عند فراغه من قوله ثلاثاً وقيل ثنتين بالفراغ من وقوع الثلاث بقوله أنت طالق‏.‏

قال الإمام وقياس من قال يقع طلقة إذا أراد بقوله أنت طالق ثلاثاً فماتت قبل قوله ثلاثاً أن يقع هنا طلقة بقوله أنت طالق ويتم الثلاث بقوله ثلاثاً لكنه ضعيف لأنه لا خلاف أنه لو قال لغير المدخول بها أنت طالق ثلاثاً وقع الثلاث وذلك يدل على أنها لا تقع مرتبة‏.‏

المسألة الخامسة قال لغير المدخول بها أنت طالق خمساً أو قال إحدى عشرة وقع الثلاث ولو قال لها واحدة ومائة لم يقع إلا واحدة‏.‏

ولو قال إحدى وعشرين فهل يقع الثلاث أم واحدة وجهان قلت الأصح أنه تقع واحدة لأنه معطوف كقوله واحدة ومائة بخلاف إحدى عشرة فإنه مركب فهو بمعنى المفرد‏.‏

والله أعلم‏.‏

لو قال طلقة ونصفاً لم يقع إلا واحدة‏.‏

فرع قال أنت طالق واحدة بل ثنتين أو ثلاثاً فإن كانت مدخولاً وقع ثلاث وإلا فواحدة‏.‏

ولو قال ثنتين بل واحدة طلقت المدخول بها ثلاثاً وغيرها طلقتين‏.‏

ولو قال أنت طالق واحدة بل ثلاثاً إن دخلت الدار فوجهان‏.‏

أصحهما وبه قال ابن الحداد يقع واحدة بقوله أنت طالق ويتعلق طلقتان بدخول الدار‏.‏

والثاني يتعلق الثلاث بالدخول إلا أن يقول أردت تخصيص الشرط بقولي بل ثلاثاً‏.‏

فإن قاله لغير مدخول بها فعلى الوجه الأول تبين بالواحدة الواقعة في الحال فإن نكحها بعد ذلك ودخلت فقيل فيه قولاً عود الحنث والمذهب أنه لا يقع قطعاً لأنها إذا بانت كان التعليق بالدخول واقعاً في حال البينونة فيلغو‏.‏

وعلى الوجه الثاني يتعلق الثلاث بالدخول فإذا دخلت فعلى الوجهين السابقين فيما إذا قال لغير المدخول بها إن دخلت الدار فأنت طالق وطالق فعلى وجه لا يقع إلا واحدة وعلى الأصح يقع الثلاث‏.‏

ولو قال لغير المدخول بها أنت طالق طلقتين بل وعلى الثاني تتعلق الثلاث بالدخول فإذا دخلت ففي وجه يقع طلقة وعلى الأصح ثلاث‏.‏

فرع قال أنت طالق تطليقة قبلها كل تطليقة أو بعدها كل تطليقة‏.‏

إسماعيل البوشنجي قياس المذهب أن يقال إن كانت مدخولاً بها وقع الثلاث مع ترتيب بين الواحدة وباقي الثلاث وإلا ف وجهان‏.‏

أصحهما يقع واحدة‏.‏

والثاني لا شيء‏.‏

فرع عن أبي العباس الروياني لو قال أنت طالق كألف فإن نوى عدداً وقع وإلا فواحدة وأنه لو قال أنت طالق حتى تتم ثلاث فهل تقع ثلاث أم تعتبر نيته فإن لم ينو فواحدة فيه وجهاً ن ويقرب منه ما إذا قال أنت طالق حتى أكمل ثلاثاً أو أوقع عليك ثلاثاً وأنه لو قال أنت طالق ألواناً من الطلاق تعتبر نيته فإن لم ينو فواحدة‏.‏

وأنه لو قال يا مطلقة أنت طالق وكان طلقها قبل ذلك فقال أردت تلك الطلقة فهل يقبل أم يقع أخرى وجهاً ن‏.‏

ذكر إسماعيل البوشنجي أنه لو قالت له طلقني وطلقني وطلقني أو طلقني طلقني طلقني أو قالت طلقني ثلاثاً فقال طلقتك أو قد طلقتك أو أنت طالق‏.‏

فإن نوى عدداً وقع وإلا الطرف الثالث في الحساب وهو ثلاثة أنواع‏.‏

الأول في حساب الضرب فإذا قال لها أنت طالق واحدة في واحدة أو طلقة في طلقة سئل عن مراده فإن قال أردت طلقة مع طلقة وقع طلقتان وإن قال أردت به الظرف أو الحساب أو لم أرد شيئاً وقعت واحدة‏.‏

وإن قال أنت طالق طلقة في طلقتين أو واحدة في اثنتين وأراد مع اثنتين وقع الثلاث وإن أراد الحساب وهو يعلمه وقع طلقتان وإن جهله وقال أردت ما يزيده الحساب فطلقة على الأصح وقال الصيرفي طلقتان‏.‏

وأجرى الوجهان في قوله طلقتك مثل ما طلق زيد وهو لا يدري كم طلق زيد‏.‏

وكذا لو نوى عدد طلاق زيد ولم يتلفظ وإن أطلق ولم ينو الحساب فإن لم يعرفه فطلقة وكذا إن عرفه على الأظهر‏.‏

وفي قول طلقتان‏.‏

وفي قول غريب ضعيف حكاه الشيخ أبو محمد وغيره يقع ثلاث طلقات لتلفظه بهن ويجيء هذا القول فيمن لا يعرف الحساب ولم ينو شيئاً ولو قال أنت طالق واحدة في ثلاث فإن قصد الحساب وقع الثلاث إن عرفه وإلا فعلى الوجهين وإن لم يقصد شيئاً فعلى التفصيل والخلاف المذكورين‏.‏

وإن قال أنت طالق ثنتين في ثنتين فإن قصد الحساب وهو يعرفه وقع الثلاث وإن لم يقصد شيئاً فهل يقع ثنتان أم ثلاث فيه الخلاف‏.‏

ولو قال أنت طالق نصف طلقة في نصف طلقة وقعت طلقة سواء أراد الحساب أم الظرف أم المعية أم لم يقصد شيئاً ولو قال واحدة في نصف فكذلك إلا أن يريد المعية فيقع طلقتان ولو قال واحدة وربعاً أو نصفاً في واحدة وربع وقع طلقتان إلا أن يريد المعية فتقع ثلاث‏.‏

فرع قال أنت طالق من واحدة إلى ثلاث فهل يقع الثلاث أم ثنتان أم واحدة فيه أوجه أصحها عند البغوي الأول ولو قال ما بين الواحدة والثلاث وقعت طلقة على المذهب ويجيء فيه خلاف سبق في نظيره من الإقرار‏.‏

النوع الثاني في تجزئة الطلاق اعلم أن الطلاق لا يتبعض بل ذكر بعضه كذكر كله لقوته سواء أبهم بأن قال أنت طالق بعض طلقة أو جزءاً أو سهماً من طلقة أو بين فقال نصف طلقة أو ربع طلقة قال الإمام وقوع الطلاق هنا على سبيل التعبير بالبعض عن الكل ولا يتخيل هنا السراية المذكورة في قوله بعضك طالق لكن لا يظهر بينهما فرق محقق‏.‏

وفي كلام الشيخ أبي حامد وغيره أنه يجوز فرع إذا زاد في الأجزاء فقال أنت طالق ثلاثة أنصاف طلقة أو أربعة أثلاث طلقة وقع طلقتان على الأصح وقيل طلقة‏.‏

وقيل ثلاث طلقات حكاه الحناطي‏.‏

وعلى هذا القياس قوله خمسة أرباع طلقة أو نصف وثلثي طلقة‏.‏

قلت هذا الخلاف فيما إذا زادت الأجزاء على طلقة ولم يجاوز طلقتين فإن جاوزت كقوله خمسة أنصاف طلقة أو سبعة أثلاث طلقة وأشباهه كان الخلاف في أنه يقع طلقة أم ثلاث‏.‏

والله أعلم‏.‏

ولو قال لفلان علي ثلاثة أنصاف درهم فهل يلزمه درهم أودرهم‏.‏

ونصف وجهان‏.‏

أصحهما الثاني‏.‏

فرع قال أنت طالق نصفي طلقة لم يقع إلا طلقة إلا أن يريد نصفاً من طلقة ونصفاً من أخرى وكذا لو قال ربعي طلقة أو ثلثي طلقة وأشار في الوسيط إلى الخلاف في هذه الصورة فقال الصحيح أنه يقع طلقة والكتب ساكتة عن الخلاف لكنه جار على ما نقله الحناطي‏.‏

ولو قال نصف طلقتين أو ثلث طلقتين وقع طلقة على الأصح وقيل طلقتان فعلى هذا لو قال أردت طلقة دين وفي قبوله ظاهراً وجهان‏.‏

ولو قال علي نصف درهمين قال الشيخ أبو علي لا يلزم إلا درهم بإجماع الأصحاب لعدم التكميل‏.‏

ولو قال ثلث درهمين فعليه ثلثا درهم بالاتفاق‏.‏

ولو قال نصفي طلقتين أو ثلثي طلقتين‏.‏

وقع طلقتان‏.‏

ولو قال ثلاثة أنصاف طلقتين فهل يقع طلقتان أم ثلاث وجهان‏.‏

أصحهما الثاني وبه قال ابن الحداد ونقله الشيخ أبو علي عن الأكثرين‏.‏

ولو قال له علي ثلاثة أنصاف درهمين ففيما يلزمه وجهان‏.‏

ولو قال ثلاثة أنصاف الطلاق قال المتولي يقع ثلاث طلقات وينصرف الألف واللام إلى الجنس وحكى الحناطي وجهين أحدهما يقع ثلاث والثاني طلقة‏.‏

فرع قال أنت طالق نصف طلقة أو ثلث وربع وسدس طلقة لا يقع إلا طلقة ولو كرر لفظة الطلقة فقال ثلث طلقة وربع طلقة وسدس طلقة طلقت ثلاثاً على المذهب وبه قطع الجمهور‏.‏

وقال الغزالي فيه وجهان‏.‏

أحدهما هذا والثاني لا يقع إلا واحدة هكذا أطلقه الغزالي وإنما نقل ولو لم يدخل الواو فقال أنت طالق ثلث طلقة ربع طلقة سدس طلقة لم يقع إلا طلقة لأنه إذا لم يدخل الواو كان الجميع بمنزلة كلمة واحدة ولهذا لو قال أنت طالق طالق لم تقع إلا واحدة ولو قال طالق وطالق وقع طلقتان‏.‏

لو زادت الأجزاء ولم يدخل الواو فقال أنت طالق نصف طلقة ثلث طلقة ربع طلقة ففي أمالي أبي الفرج أنه على الوجهين في قوله ثلاثة أنصاف طلقة‏.‏

ولو لم تتغاير الأجزاء وتكررت الواو فقال أنت طالق نصف طلقة ونصف طلقة ونصف طلقة وقع طلقتان ويرجع في اللفظ الثالث إليه أقصد التأكيد أم الاستئناف كما لو قال طالق وطالق وطالق‏.‏

ولو قال أنت نصف طلقة أو ثلث طلقة فهو كقوله أنت الطلاق‏.‏

ولو قال أنت طالق نصف ثلث سدس ولم يقل طلقة وقع طلقة بقوله أنت طالق‏.‏

فرع في فتاوى القفال لو قال طلقتك واحدة أو ثنتين على سبيل الإنشاء فيختار ما شاء من واحدة أو اثنتين كما لو قال أعتقت هذا أو هذين‏.‏

النوع الثالث في التشريك فإذا قال لأربع نسوة أوقعت عليكن طلقة وقع على كل واحدة طلقة فقط لو قال طلقتين أو ثلاثاً أو أربعاً وقع على كل واحدة طلقة فقط إلا أن يريد توزيع كل طلقة قلت هذا الذي ذكره هو المنصوص في الأم وبه قطع الجمهور وقال أبو علي الطبري يحمل على التوزيع وإن لم ينوه‏.‏

والله أعلم‏.‏

ولو قال أوقعت عليكن خمس طلقات طلقت كل واحدة طلقتين إلا أن يريد التوزيع وكذلك في الست والسبع والثمان‏.‏

وإن أوقع تسعاً طلقت كل واحدة ثلاثاً‏.‏

وإن قال أوقعت بينكن طلقة طلقت كل واحدة طلقة‏.‏

فإن قال أردت بعضهن دون بعض دين ولا يقبل ظاهراً على الأصح وقطع به جماعة‏.‏

قال الإمام والبغوي وغيرهما الوجهان مخصوصان بقوله أوقعت بينكن‏.‏

أما قوله عليكن فلا يقبل تفسيره هذا قطعاً بل يعمهن الطلاق‏.‏

وأعلم أنا قدمنا في قوله نسائي طوالق عن ابن الوكيل وغيره أنه يقبل تخصيصه بعضهن وذلك الوجه يجيء هنا لا محالة فكان قول الإمام وغيره تفريعاً على الصحيح هناك‏.‏

وإذا قلنا لا يقبل في قوله بينكن فذلك إذا أخرج بعضهن عن الطلاق وعطل بعض الطلاق فأما إذا فضل بعضهن كقوله أوقعت بينكن ثلاث طلقات ثم قال أردت طلقتين على هذه وتوزيع الثالثة على الباقياًت فيقبل على الأصح المنصوص وبه قطع الشيخ أبو علي‏.‏

والثاني حكاه ابن القطان يشترط استواؤهن وحكي وجه أنه يقبل تفسيره وإن تعطل بعض الطلاق حتى لو قال أوقعت بينكن أربع طلقات ثم خصصها بامرأة قبل وهذا ضعيف‏.‏

وحيث قلنا لا يقبل فذلك في نفي الطلاق ولو قال أوقعت بينكن خمس طلقات لبعضكن أكثر مما لبعض فيصدق في التفصيل بلا خلاف وفي تصديقه في إخراج بعضهن الخلاف‏.‏

ولو قال أوقعت عليكن نصف طلقة أو ثلثها وقع على كل واحدة طلقة‏.‏

ولو قال أوقعت بينكن ثلث طلقة وخمس طلقة وسدس طلقة بني على الخلاف السابق فيما إذا خاطب به واحدة‏.‏

فإن قلنا لا يقع به إلا واحدة فكذا هنا فتطلق كل واحدة طلقة وإن قلنا بالمذهب وهو وقوع الثلاث طلقت كل واحدة ثلاثاً لأن تغاير الأجزاء وعطفها يشعر بقسمة كل جزء بينهن وقال الإمام ويحتمل أن تجعل كما لو قال أوقعت بينكن ثلاث طلقات فتطلق كل واحدة طلقة‏.‏

ولو قال أوقعت بينكن طلقة وطلقة وطلقة فيجوز أن يقال هو كقوله ثلاث طلقات تطلق كل واحدة طلقة ويجوز أن يقال تطلق كل واحدة ثلاثاً لإشعاره بقسمة كل طلقة‏.‏

فرع طلق إحدى امرأتيه ثم قال للأخرى أشركتك معها أو جعلتك شريكتها‏.‏

أو أنت كهي أو مثلها ونوى طلاقها طلقت وإلا فلا وكذا لو طلق رجل امرأته فقال آخر لامرأته أشركتك معها أو أنت كهي ونوى طلقت‏.‏

ولو كان تحته أربع فقال لثلاث منهن أوقعت عليكن أو بينكن طلقة فطلقن واحدة واحدة ثم قال للرابعة أشركتك معهن ونوى الطلاق نظر إن أراد طلقة واحدة لتكون كواحدة منهن طلقت طلقة وإن أراد أنها تشارك كل واحدة طلقتها طلقت ثلاثاً‏.‏

وإن أطلق نية الطلاق ولم ينو واحدة ولا عدداً ف وجهاً ن أصحهما وبه قال الشيخ أبو علي تطلق واحدة وقال القفال طلقتين لأن التشريك يقتضي أن يكون عليها نصف ما عليهن وهو طلقة ونصف فتكمل‏.‏

ولو قيل على هذا التوجيه تطلق ثلاثاً مثلهن لم يكن بأبعد منه ولو طلق اثنتين ثم قال للأخريين أشركتكما معهما ونوى الطلاق فإن نوى كون كل منهما كواحدة من الأوليين طلقت كل واحدة منهما طلقة وإن نوى كون كل واحدة كالأوليين معاً في الطلاق أو أن تشارك كل واحدة منهما كل واحدة من الأوليين في طلقتيهما طلقتا طلقتين طلقتين وإن أطلق طلقت كل واحدة طلقة على قولي القفال وأبي علي جميعاً لأن القفال يشركهما فيجعل لهما نصف ما للأوليين وهو طلقة فتقسم وتكمل‏.‏

فرع قال أنت طالق عشراً فقالت تكفيني ثلاث فقال الباقي لضرتك‏.‏

لايقع على الضرة شيء لأن الزيادة على الثلاث لغو‏.‏

ولو قالت تكفيني واحدة فقال الباقي لضرتك وقع عليها ثلاث وعلى الضرة طلقتان إذا نوى ذكره البغوي ولو طلق إحدى امرأتيه ثلاثاً ثم قال للثانية أشركتك معها قال الشاشي يقع على الثانية طلقة وتردد البوشنجي في طلقة أم ثلاث‏.‏